اتفاق الحبوب والمجاعة

00:45 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، حذرت منظمات إنسانية عدة، من أن هذه الحرب لن تكون حدودها الدولتين فقط؛ بل ستمتد تداعياتها لتشمل دول العالم كافة، ولئن كان النصف الغربي من الكرة الأرضية تأثر بها أكثر من غيره في بداياتها، فإنها اليوم بعد الانسحاب الروسي من اتفاقية تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، تلقي بظلالها بشكل مدمر على العالم بأكمله، لا سيما القسم الشرقي منه، وبالأخص الدول الإفريقية، التي تعاني ويلات عدة، وليست في وارد أن تعاني مجاعة تفوق قدرتها على تحمّلها.

 الضغوط الأوروبية المتزايدة على موسكو، واستمرار تقديم الدعم العسكري المنقطع النظير لكييف، والتهديد بمدها بأسلحة فتاكة لقلب موازين المعركة، إلى جانب عدم الوفاء ببنود الاتفاق جميعها، كانت عوامل لتفجير قرار روسيا الأخير بالانسحاب من الاتفاق؛ وعلى الرغم من الصدمة العالمية من قرار الانسحاب الروسي، فإنه لم يكن مستبعداً؛ إذ إن الرئيس، فلاديمير بوتين، حذر الغرب من التلاعب ببنود الاتفاق، وبأنه سيكون في حل منه في حال عدم تنفيذ الجزء الثاني منه، والمتعلق بالمطالب الروسية، التي تتناول أموراً عدة، منها إلغاء الحظر عن الصادرات الروسية من المواد الغذائية والأسمدة، وإعادة ربط البنك الزراعي الروسي بنظام (سويفت)، واستمرار توريد الآلات الزراعية وقطع الغيار، وهي شروط تم التوافق عليها منذ توقيع الاتفاق، غير أن الغرب أخذ يلتف عليها، ما عدّته موسكو يخدم المصالح الأوكرانية، ويخرج الاتفاق عن هدفه الإنساني الذي صيغ من أجله، لا سيما وأنها تتهم كييف بأنها أضفت على الاتفاق صبغة تجارية بغية الاستفادة من واردات القمح في التزود بالمعدات القتالية.

العالم بعد الانسحاب الروسي تجتاح دوله عبارات التنديد والاستنكار، واتهام موسكو باستخدام القمح سلاحاً لتنفيذ شروطها، وردّ الأخيرة بأن الغرب هو الذي اضطرها لما قامت به، غير أن ما ينبغي التنبه إليه أن الاتهامات، والاتهامات المضادة لن تُسمن بطون الملايين من البشر، خاصة في القارة الإفريقية الذين في الأساس يعانون مجاعة، ولن تغنيهم من جوع، وأن الوقت يداهم الجميع، وفي حال عدم التوافق، فإن شبح المجاعة سيطل برأسه، ويحصد الملايين من البشر، لا سيما وأن أوكرانيا وروسيا مصدران رئيسيان للقمح.

 دائماً، حينما يتصارع الكبار فإن من يتحمل النتيجة هم الضعفاء، وفي الانسحاب الروسي الأمر سيكون مختلفاً؛ حيث إن التبعات ستطال الجميع، فبانسحاب روسيا تكون أضرت بالدول الغربية من جانبين، الأول أنها ستمنع الصادرات الروسية من الوصول إليها عبر تركيا، كما أنها في الوقت ذاته ستمنع الصادرات الأوكرانية من المرور بالبحر الأسود، كما صرّح بيان الخارجية الروسية بأنه سيتم «سحب ضمانات سلامة الملاحة، وإغلاق الممر الإنساني البحري في منطقة الاتفاق». أما الغرب فلن يسمح من جانبه لموسكو بالاستفادة من صادراتها.

 متى ستدرك الدول المتحاربة أن الجميع في مركب واحد، وأن الضعفاء لا ذنب لهم بمن سيسود العالم، فأمنيتهم هي الحصول على رغيف خبز، وحتى هذه الأمنية ستكون اليوم بعيدة المنال.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mv26k2e6

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"