جائحة جوع

00:07 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

يبدو أن العالم مقبل على جائحة جوع، بعد الرفض الروسي الصارم لتمديد اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، بموجب اتفاق تم في 2022 برعاية أممية وتركية؛ إذ إن موسكو بررت ذلك بعدم قدرة الوسطاء على إلزام الغرب بتحرير القيود على بعض الصادرات الروسية؛ أبرزها القمح والأسمدة، مشيرة إلى أنها سمحت مراراً بتجديده ضمن شروط لم تلبها الدول الغربية، ومؤكدة في الوقت ذاته أنها على الرغم من التمديد الأخير منذ ثلاثة أشهر، فإن بقية الأطراف لم تفِ بتعهداتها؛ لذا فإن العودة إليه لن تتم إلا في حالة وجود صياغة جديدة تنصفها.

الانسحاب الروسي، يمثل تطوراً خطراً، ويشكل عاملاً مؤثراً جديداً في أمن العالم الغذائي، يتحمل مسؤوليته الغرب بالدرجة الأولى؛ إذ إن الانسحاب يمنع تدفق الحبوب من أوكرانيا إلى دول في إفريقيا ودول في الشرق الأوسط وآسيا؛ حيث يمثل الجوع في هذه المناطق تهديداً متزايداً، وعلى الرغم من أن موسكو تعهدت بمد الدول الإفريقية بما تحتاج إليه من القمح، فإن ذلك لن يساعد على سد العجز الذي سيسود العالم، كما سيؤدي القرار الروسي والتعنت الغربي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، ودفع المزيد من الناس نحو الفقر، في ظل اعتماد العديد من الحكومات كلياً على صادرات هاتين الدولتين المتحاربتين.

الخطوة الروسية وجدت استنكاراً دولياً، ودعوات أممية إلى العودة عن قرار موسكو، بعد انتهاء أمد الاتفاق في 17 الشهر الجاري؛ وأبرز تلك الدعوات كانت من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الذي أكد أن الانسحاب سيؤدي إلى أن «الدول الفقيرة ستدفع الثمن»، وقد بدأت تتكشف تداعيات ذلك؛ إذ إن الصادرات الأوكرانية من الحبوب وغيرها بدأت بالتكدس في الموانئ، وسط أنباء عن ارتفاع أسعار الغذاء العالمية بالفعل، وتوقعات بارتفاعها إلى مستويات قياسية أخرى، ليكون ملايين البشر تحت رحمة الصراع بين الدول الكبرى، التي تريد كل منها أن تُخضع الأخرى لهيمنتها، ولو على حساب بطون الفقراء؛ حيث إن الصادرات الغذائية الأوكرانية الحيوية غذّت 400 مليون شخص في جميع أنحاء العالم قبل عام 2022، وفقاً لبرنامج الغذاء العالمي.

روسيا اشتكت من القيود المفروضة على الشحن والتأمين، وأكدت أنها عطلت صادراتها من المواد الغذائية والأسمدة، وهي أيضاً مهمة لسلسلة الغذاء العالمية، وتعليق الاتفاق كان ورقة ضغط استخدمتها للتخفيف من حدة العقوبات المفروضة عليها، وإجبار الدول الكبرى على الرضوخ لمطالبها، وأيضاً حرمان أوكرانيا من مصدر دخل مهم، يساعدها على الصمود في الحرب الدائرة الآن.

ليس من السهل ليّ ذراع روسيا، فهي مهما حاول الغرب عزلها وتقييدها، تملك أوراقاً قد تقلب المعادلة في أي وقت، فعسكرياً هي مستعدة لصد أي تحرك ضدها في البحر الأسود، وغذائياً لم تتأثر كثيراً بالانسحاب من الاتفاق؛ لذا على الغرب ومن خلفه أمريكا أن يدرك أنه لا بد من الاعتراف بأن زمن القطب الواحد ولّى، وأن هناك دولاً فاعلة في العالم ستقول كلمتها الفصل عندما تضطر إلى ذلك.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr22wde5

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"