تونس.. والجمهورية الفاعلة

00:04 صباحا
قراءة 3 دقائق

كمال بالهادي

أحيت تونس منذ أسبوعين ذكرى جديدة لإعلان الجمهورية، في ظل أزمة اقتصادية خانقة، لكن في ظل وضع سياسي إقليمي ودولي استطاعت فيه تونس أن تعيد لسياستها الخارجية الدور الفاعل الذي يمكنها من الدفاع عن مصالحها.

الذكرى الجديدة لإعلان الجمهورية وإن لم تقترن بخطاب للشعب، كما جرت العادة في السنوات الماضية، إلا أنها أتت في ظل ظرف سياسي إقليمي ودولي استطاعت فيه تونس أن تفرض كلمتها على الشركاء وعلى دول الجوار في ما يتعلق بقضية مزمنة هي قضية الهجرة غير الشرعية.

الرئيس التونسي قيس سعيد، وخلال مؤتمر روما حول الهجرة والتنمية، أكد موقف تونس الرافض لتحويل قضية المهاجرين إلى قضية يتاجر بها السياسيون والحقوقيون بعد أن تاجر بها بارونات الاتجار بالبشر. وهذا الموقف وقعت ترجمته في الإجراءات التي تضمنها البيان الختامي، الذي صدر في ما يسمى بعملية روما والتي ستسعى إلى الحد من الهجرة غير الشرعية، عبر دعم التنمية في دول المصدر ودول العبور مع تعهد بتنظيم مؤتمر إثني من أجل حث المانحين الدوليين على دعم هذه الأفكار وتجسيدها على أرض الواقع. وهنا لابد من الإشارة إلى أن الرئيس التونسي، رفض صراحة تحويل تونس إلى وطن بديل للمهاجرين غير الشرعيين ورفض كذلك أن تلعب تونس دور حراس الحدود للحدود الجنوبية لأوروبا، معتبراً أن هذه القضية هي قضية كل الدول بما في ذلك الدول الأوروبية التي تتحمل مسؤولية تاريخية وواقعية نتيجة إرثها الاستعماري في إفريقيا.

 ليست الهجرة ظاهرة الحاضر أوالمستقبل؛ بل إنها ظاهرة مرتبطة بعوامل تاريخية، أهمها العامل الاستعماري الذي أسهم في إفقار إفريقيا وفي عدم الاهتمام بالتنمية، فكانت النتيجة الطبيعية هي هذه القوافل من المهاجرين العابرين للصحارى والبحار. لقد استطاعت تونس في الآونة الأخيرة، أن تحقق مكاسب سياسية على المستوى الدولي، ليست بالهينة؛ بل إننا لا نعدم القول إن تونس انتصرت في معركة الهجرة ومازال أمامها الكثير لتفعله في هذا الملف المعقد، ولا شك في أن الرئيس التونسي، سيكون من الفاعلين الأقوياء في قمة إيطاليا- إفريقيا التي ستنعقد في شهر نوفمبر العام الجاري، وهي المرة الأولى التي ستسعى فيها إيطاليا إلى المنافسة على موطئ قدم في العالم الجديد، كما ستسعى إلى كسب قلوب الأفارقة المغتاظين جداً من السياسات الأوروبية تجاههم. ومن الطبيعي أن تكون تونس بوابة إيطاليا نحو إفريقيا، وهذا مكسب استراتيجي آخر تحققه الجمهورية الجديدة في تونس. و تأتي هذه النجاحات السياسية، لتعزز مكانة الرئيس قيس سعيد في الداخل التونسي وفي الإقليمين العربي والمتوسطي، ولا شك في أن هذا هو المطلوب من رئيس يعمل خلال عهدته الرئاسية الأولى على تثبيت أركان حكمه والحد من المخاطر التي تحيط ببلده في ظل أوضاع عالمية شديدة التقلب.

إن الجمهورية الجديدة، تسير وفق خطط ثابتة، إلا أن النقائص لا بد من تداركها وخاصة في ما يخص الأزمة الاقتصادية والمالية، التي تمر بها البلاد وفي ظل نقص مواد تموينية أساسية، واضطرابات في توزيع الماء والكهرباء، وهي أمور معيشية تثير القلق والحنق، خاصة إذا تحولت إلى معاناة يومية يعيشها المواطن. 

صحيح أن الأوضاع المالية للحكومة تشكو من نقص في الموارد المالية وهذا ما يعسّر أمر الحصول على إمدادات الطاقة والغذاء من الأسواق الدولية وهذا أمر لا يخص تونس وحدها؛ بل كل الدول التي تعاني تأثيرات أزمتي كورونا وحرب أوكرانيا. ولكن المواطن يحتاج خطاباً صريحاً مطمئناً حتى تستمر الثقة في بناء المستقبل على أسس سليمة وصحيحة وبعيداً عن الوعود الزائفة التي لم تنتج سوى إغراق تونس في الديون وتهديد قيم الجمهورية في جوهرها. المؤشرات التي تصدر من حين إلى آخر تثبت أن النجاحات الدبلوماسية التونسية في الآونة الأخيرة، تعطي أملاً حقيقياً في تجاوز هذه الأزمة، وذلك بمساعدة الأشقاء العرب والأصدقاء من كل مكان، لكن تونس تحتاج إلى ثورة اقتصادية شاملة وثورة تنمية أكثر شمولية حتى لا تظل مهددة في كل مرة بهذه الأزمات المعقدة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/kj3mydvk

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"