رمال متحركة في النيجر

00:24 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

مجدداً الغرب الإفريقي إلى الواجهة العالمية، بعد أن شغل الانقلاب الأخير في النيجر دولاً عالمية فاعلة، وأثار استياء دول الجوار التي تخشى إن غضت الطرف عنه أن تلاقي المصير ذاته في يوم من الأيام، لا سيما أن هذه المنطقة من القارة السمراء أصبحت كالرمال المتحركة، وشهدت انقلابات عدة؛ إذ إنه بدءاً من 2020 وحتى 2023، جرت 5 انقلابات؛ لذا بات هذا المشهد هو «الوضع الطبيعي الجديد»، ولعل هذا الوضع تشكل نتيجة للتغيرات التي بدأت بعد تفكيك «تاكوبا»؛ ومن قبلها انسحاب قوة «برخان» الفرنسية إلى جانب انحسار الهيمنة الأمريكية.

انقلاب النيجر له ما قبله وما بعده؛ إذ إنه منذ ساعة تنفيذه بدأت الدول الغربية، وأبرزها فرنسا والولايات المتحدة بتوجيه أصابع الاتهام لموسكو، بأنها تقف وراءه، على الرغم من أن المندوب الروسي في مجلس الأمن لم يتخذ موقفاً مخالفاً لنظرائه، ولم يستخدم حق النقض «الفيتو» حين أصدر مجلس الأمن بياناً دان فيه الانقلاب، غير أن ذلك لم يشفع لروسيا؛ إذ يستند الغرب في اتهاماته إلى أمور عدة أبرزها: تصريحات قائد فاغنر نفسه، بأن مجموعته هي التي دبرت الانقلاب العسكري بالنيجر، كما أن التظاهرات المؤيدة للانقلاب، التي خرجت في العاصمة نيامي، ومدن النيجر الأخرى، هتفت لروسيا ورفعت أعلامها، بما يعني تماهي الانقلابيين مع السياسة الروسية. وما عزز اتهامات الضلوع الروسي في الانقلاب، اهتمام موسكو بالقارة السمراء، وتزامن الانقلاب، مع انعقاد مؤتمر سانت بطرسبورغ الذي جمع القادة الأفارقة مع القيادة الروسية.

على الرغم من فداحة الانقلاب برأي البعض، كونه يعد نسفاً للنظام الديمقراطي، ويؤطر لمرحلة هيمنة العسكر على مفاصل الدولة، فإنه في الوقت ذاته يعد أمراً محتملاً ولم يكن مستغرباً عن دولة مثل النيجر لسبب رئيسي؛ هو أن هناك خللاً في المواطنة في هذا البلد؛ إذ إن الرئيس محمد مازوم يتحدر من أصول عربية ويشكل العرب في النيجر نحو 1.5 في المئة من أصل 18 مليوناً من أصول إفريقية، وبالتالي لا قاعدة شعبية كبرى تضمن له الاستمرار في السلطة، ولعل هذا السبب الذي جعل المشهد لا يأخذ عملية شد وجذب؛ إذ إنه بمجرد إعلان الجنرال عبد الرحمن تشاني الانقلاب انتقل الأمر إليه من دون أن يجد أي مقاومة لا شعبية ولا عسكرية. 

 انقلاب ما يُسمى «المجلس الوطني لحماية الوطن»، جعل البلاد تنتظر وضعاً مأساوياً أشد قتامة مما هي فيه، لا سيما بعد أن قامت منظمة «إيكواس» المكونة من 15 عضواً، والاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا المؤلف من ثمانية أعضاء، بتعليق عضوية النيجر في المنظمتين، واستبعاد البلاد من البنك المركزي الإقليمي والسوق المالية، وهو ما سيؤثر في الوضع المعيشي للسكان الذين باتوا يترقبون ما ستفضي إليه الوساطات التي تقودها دول عدة، وهل بإمكانها أن تنقذ البلاد من وضعها الحالي أم أن الأمور تسير نحو مزيد من التدهور؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2xkcsuks

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"