البرلمان وحقوق الإنسان

00:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.إدريس لكريني
يستأثر البرلمان بموقع متميز في النظام السياسي والدستوري، بالشكل الذي يجعل منه أحد المقومات الأساسية للدولة الحديثة، وتحظى البرلمانات في مختلف النظم الدستورية العالمية بصلاحيات مهمة، فإلى جانب مهامها المتصلة بصناعة التشريع ورسم السياسات العمومية، فهي تتمتع بمهام الرقابة على العمل الحكومي، بالإضافة إلى ممارسة بعض الصلاحيات المتصلة بالشأن الخارجي.

ورغم الاختلافات القائمة بين البرلمانات على مستوى الشكل والأداء والفاعلية، فإنها تستأثر - بشكل أو بآخر- بأدوار على مستوى النهوض بقضايا حقوق الإنسان، من حيث المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات ذات الصلة، وصناعة التشريعات، وسنّ السياسات العمومية، ومراقبة مدى احترام العمل الحكومي للالتزامات الدولية في مجال حقوق الإنسان.

وفي هذا السياق يأتي كتاب: «البرلمان وحقوق والإنسان.. مرجعيات وممارسات»، لمؤلفه د.عبد الرزاق الحنوشي، الذي ينطوي على قدر من الأهمية، بالنظر إلى المكانة الوازنة التي يحتلها التشريع كآلية لحماية حقوق الإنسان، ووجود مقتضيات دستورية جديدة أرساها الدستور المغربي لعام 2011، في ارتباط ذلك بمهام البرلمان على عدة مستويات، وخصوصاً فيما يتصل بتعزيز الحقوق والحريات، ومأسسة العلاقات مع عدد من الهيئات الدستورية، علاوة على المكانة التي تحظى بها هذه المؤسسة كحلقة وصل بين السياسات الدولية والوطنية المعنية بحماية حقوق الإنسان.

يتجاوز الكتاب المقاربات النظرية والوصفية إلى تناول دراسة الحالة التي أعطت للخلاصات قدراً من الأهمية، حيث ركّز على الولاية التشريعية العاشرة (2016 – 2021)، واستحضر المؤلّف في ذلك مجموعة من الأرقام، وكذا الممارسات التي راكمتها العديد من الهيئات الدولية والإقليمية كالاتحاد البرلماني الدولي، فيما جاء الكتاب مطبوعاً بمسار باحث ممارس له تجربة مهمة في مجال حقوق الإنسان، وأخرى مؤسسة داخل البرلمان.

تضمن المؤلف معلومات غنية، فعلى المستوى النظري، تم طرح مجموعة من المفاهيم والاتفاقيات والتشريعات ؛ حيث تناول مهام البرلمان في دعم وتعزيز حقوق الإنسان، وتطرق لمبادئ «بلغراد» كوثيقة مرجعية تؤطر الالتزامات المشتركة للبرلمانات والمؤسسات المتصلة بحقوق الإنسان، كما تمّ تسليط الضوء على عدد من التشريعات المتصلة بحقوق الإنسان التي مرت داخل المؤسسة، وعلى عدد من المبادرات المطروحة في هذا الخصوص.

أما فيما يتعلق بجانب الممارسة، فقد تم التوقّف عند حصيلة البرلمان بمجلسيه، خلال الولاية التشريعية العاشرة، على مستوى سنّ القوانين ومراقبة العمل الحكومي في مجال حقوق الإنسان، والانفتاح على هيئات المجتمع المدني والمنظمات الدولية في هذا الشأن.

يتجاوز المؤلّف سرد المعلومات، إلى التوقّف عند الفرص التي يطرحها انخراط البرلمان في النهوض بحقوق الإنسان، وبعض الإشكالات التي ترافق تنزيل عدد من مقتضيات الدستور المتصلة بهذه القضايا، كما هو الشأن بالنسبة للتعامل مع السياسات والتشريعات ذات الصّلة بمنطلق الأغلبية الحزبية، وكذا الإكراهات التي تطرحها الأزمات والطوارئ في هذا السياق، بالإضافة إلى التوصيات الكفيلة بتحسين وتعزيز مهام البرلمان في مجال حماية حقوق الإنسان.

توقّف الكتاب عند مجموعة من القضايا المهمة، كالدبلوماسية البرلمانية وعلاقتها بحقوق الإنسان، وأداء البرلمان تحت ضغط «كورونا»، كما تطرق لخطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان (2018 – 2021).

وعموماً، فإن الكتاب لم يتوقف عند بعض الاختلالات المتصلة بأداء الأحزاب السياسية، فيما يتعلق بتزكية بعض «النخب» غير القادرة على كسب هذا الرهان من داخل البرلمان بغرفتيه، أو فيما يتعلق بالإشكالات التي يطرحها اصطدام كونية حقوق الإنسان بالخصوصيات الاجتماعية والثقافية والدينية، ومدى قدرة البرلمان على مواكبة عدد من التحديات التي تواجه منظومة حقوق الإنسان، وعلاقة ذلك ببعض الأزمات والأحداث الاجتماعية والسياسية التي لم تشكّل بصددها لجان لتقصي الحقائق. ويمكن القول، إن المؤلّف يمثل مرجعاً مهماً للمهتمين والفاعلين في المجالين الحقوقي والبرلماني، فهو يوفر أرضية مهمة تشكل مادة ثرية ومفيدة تتيح ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان بالنسبة للنخب البرلمانية، والنخب الحقوقية، كما يوفر مادة علمية مهمة للباحثين والطلاب في مجال «العمل البرلماني»، والذي أصبح يمثل مادة قائمة بذاتها ضمن تخصصات مدرجة في عدد من كليات الحقوق بالمغرب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2n4mkab9

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"