تدمير التراث التاريخي جريمة حرب

00:04 صباحا
قراءة 3 دقائق

وجه آخر من وجوه جرائم الحرب لا يلقى الاهتمام الذي يستحقه، وهو ما يختص بالعدوان المتعمد على التراث الفلسطيني، وعلى الذاكرة التاريخية للفلسطينيين.

ومن وقت إلى آخر تعلو الأصوات في الغرب، وتعلن أن تدمير التراث الثقافي في أوكرانيا يُعد جريمة حرب، ثم تتجسد ازدواجية المعايير في قصر هذا الاتهام على ما يخص أوكرانيا، وغض النظر عما ينطبق وبنفس المعايير على ما يجري في فلسطين.

كثير من المؤسسات العلمية المتخصصة اتفقت في تقاريرها المنشورة على أن ما تفعله إسرائيل من ممارسات لمحو الميراث الثقافي لفلسطين يهدف إلى خلق أسباب مصطنعة عن ارتباط اليهود تاريخياً بالأرض، ولمحو ميراث غير يهودي، تطبيقاً لمشروع هدفه افتعال قصص تروي تاريخاً بديلاً، ولقطع الصلة بين الفلسطينيين وتاريخهم وميراثهم.

وحدث أن اتخذت منظمة اليونسكو، والمحكمة الجنائية الدولية، والبرلمان الأوروبي، ومجلس اللوردات البريطاني موقفاً يصف تدمير التراث الثقافي لأي شعب بأنه جريمة حرب، لكن توصيفها اقتصر على ما يخص أوكرانيا. بينما كانت هناك مؤسسات متخصصة تطالب بملاحقة من يفعلون ذلك أياً ما كانوا، ومنهم من طالب بمحاكمة هُدّام التراث، ومن هذه المؤسسات مركز التراث الثقافي، وصحيفة التراث والتاريخ، ومؤلفات لكُتّاب مثل روبرت ينفان مؤلف كتاب «تدمير الذاكرة».

وهنا لا يُنسى ما أعلنه مايكل لينك الموثق الخاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، الذي طالب المجتمع الدولي باعتبار إنشاء المستوطنات الإسرائيلية جريمة حرب، حسبما تنص عليه المحكمة الجنائية الدولية.

وكانت لجنة بحوث دولية متخصصة في هذا المجال قد خصصت وقتاً طويلاً من جهودها لتلك القضية، وانتهت إلى جمع أدلة تثبت استهداف إسرائيل الآثار التاريخية للفلسطينيين، والعدوان على التراث الثقافي الفلسطيني، وقطع الصلة بين الفلسطينيين وبين تاريخهم.

واسترجعت هذه اللجنة في تقريرها مقولة لدافيد بن غوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل، الذي وصف عمليات هدم التراث بقوله: سوف يأتي يوم يكون فيه الفلسطينيون القدامى في عداد الأموات، ثم تكون الأجيال التالية لهم قد نسيت ذلك.

ويسجل موقع View Clnonolagy أن التراث الذي يختص بالآثار التاريخية للفلسطينيين قد تعرض لعمليات إتلاف وتدمير ممنهجة، ومنها مواقع تعود إلى آلاف السنين. وإن ذلك بدأ منذ الهجرة الواسعة لليهود إلى فلسطين أيام الانتداب البريطاني عليها.

وفي السنوات الأخيرة بدأت الأنظار تتنبه إلى ممارسات إسرائيل في القدس الشرقية، التي تعمّدت طمس أي آثار للوجود التاريخي الفلسطيني. وارتبط ذلك بتكليف رجال آثار إسرائيليين بإعادة صياغة المصطلحات التي عُرف بها التراث التاريخي، بما في ذلك إعادة كتابة تاريخ فلسطين بطريقة بعيدة عن الحقيقة.

وحسب ما ذكره الخبير الدولي جيبسون ميرالز، فإن الجريمة التي تُرتكب ضد التراث الثقافي لا تعني فقط استهداف المكون المادي للتراث، بل تشمل أيضاً الممارسات المستمرة ضد المجتمع الذي يخصه هذا التراث الثقافي، خاصة إذا كانت تلك الممارسات مستمرة من أجيال سابقة حتى اليوم، وهو ما يضعها في تصنيف الجريمة، خاصة أن التدمير المتعمد للتراث يستهدف في الوقت ذاته ذاكرة الشعب المستهدف من تلك الممارسات.

في مواجهة هذا العدوان على التراث والثقافة، تقدمت الحكومة الفلسطينية في أول يناير 2015 بمذكرة إلى المحكمة الجنائية الدولية عن جرائم ترتكبها إسرائيل داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وذلك باعتبار أن المحكمة مختصة بالنظر في جرائم الحرب في مناطق النزاع.

لكن لم تحدث استجابة من المحكمة، وتكرر الأمر في مارس 2022، حين دعت المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان المدعي في المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في عدوان إسرائيل على التراث الفلسطيني، وفقاً لاختصاصها بالتحقيق في جرائم الحرب.

لكن شيئاً لم يحدث حتى الآن.

الصورة العامة لتلك القضية تكشف عن هدف إسرائيلي مقصود به تزوير التاريخ، وافتعال وجود لها يعود إلى آلاف السنين.

وهو ما دفع تلك المؤسسات المهتمة بقضية التراث إلى اتهام إسرائيل بتزييف التاريخ، ومحاولة اصطناع تاريخ يستند إلى الأوهام وليس إلى الحقيقة، وهو ما يشهد عليه تدميرها آثاراً تاريخية فلسطينية تعود إلى آلاف السنين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s35semn

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"