عادي

مارك بلوخ.. مؤرخ من جيل موجوع الضمير

22:47 مساء
قراءة 3 دقائق
مارك بلوخ

القاهرة: «الخليج»
يشرح مارك بلوخ (6 يوليو 1886– 16 يونيو 1944) أسباب الهزيمة يوماً بيوم، وسط الفوضى، التي ضربت القيادة العسكرية والضباط يقول: إن الهزيمة هي فكرية في الأساس، لأنها حصيلة مواجهة بين خصمين، ينتميان إلى عصرين مختلفين، فالاستراتيجية الفرنسية العسكرية، تنتمي إلى الحرب العالمية الأولى، بينما كان الجيش الألماني مواكباً كل التطورات الميدانية والمادية.

في سياق المقارنة بين الحرب الأولى والثانية، يقول المؤلف: «إن التاريخ هو علم التغيير، وإنه يعلم ويعلم أن أي حدثين لا يتشابهان أبداً في ظروف حدوثهما، لكن المشكلة لا تتعلق فقط برجال الحرب، فالاستهتار تفشى في كل المجالات، العيب كان في النظام الذي كان من المفترض أنه ديمقراطي إلا أن النظام البرلماني كثيراً ما كان يقوم على الدسائس».

هذه الوثيقة هي في الوقت نفسه درس في التاريخ، بقلم مؤرخ بارز، رغم أنه لم يكن ينوي نشر ما كتبه، ولن يطلع عليه أحد خارج محيطه الخاص إلا سراً وبحذر، حسب تعبيره، ومع ذلك قرر أن يدون شهادته، ولديه أمل راسخ بأنه عاجلاً أم آجلاً «ستزدهر مواسم حرية الفكر والرأي مرة أخرى على تراب فرنسا، حينئذ ستفتح الملفات الخفية، إن الغشاوة التي تغطي أفظع انهيار شهده تاريخنا، والتي تراكم كما من الجهل أحياناً، ومن سوء النية أحياناً أخرى، ستتبدد تدريجياً».

يقول بلوخ: «إن كتابة التاريخ وتدريسه مهنتي منذ أربعة وثلاثين عاماً، وهو عمل يتيح لي تصفح وثائق كثيرة، تعود إلى أزمنة مختلفة، بحيث أبذل ما أمكنني من جهد للوقوف على الصحيح منها، وتجنب المزيف، كما يتطلب مني أيضاً الكثير من الملاحظة وإمعان النظر، فواجب المؤرخ الأول هو الاهتمام بالحياة». يوضح بلوخ طبيعة جيله قائلاً: «أنتمي إلى جيل يؤنبه ضميره باستمرار، فقد خرجنا من الحرب الفائتة مرهقين بالفعل، وبعد أربع سنوات من البطالة كنا على عجل من أمرنا لاستعادة وظائفنا المختلفة، التي أهملت بفعل غيابنا، لقد كنا نريد وعلى جناح السرعة، تعويض الوقت الفائت، تلك كانت أعذارنا، ولكني ما عدت أعتقد، ومنذ مدة طويلة أنها تكفي لإعفائنا من المسؤولية».

ينتهي الكتاب بوصية تركها بلوخ يقول في مقطع منها: «جاهدت طوال حياتي وبقدر استطاعتي أن ألتزم الاستقامة التامة في التعبير وفي التفكير، إني أعتبر أن ممالأة الرياء مهما كانت الذرائع التي يمكن أن تبرر ذلك هي أسوأ وباء ينخر الروح، وكم أرجو أن تنقش على قبري، كما نقش على قبر من هو أعظم مني شأناً، هذه الكلمات: «كان يعشق الحقيقة».

مارك بلوخ (1886 – 1944) درس في مدرسة المعلمين العليا، ومارس التعليم في جامعات ستراسبورج وباريس، أسس مع لوسيان فيفر مجلة حوليات التاريخ الاقتصادي والاجتماعي في عام 1929 متخصص في القرون الوسطى، له العديد من المؤلفات: التاريخ الزراعي لفرنسا - مهنة المؤرخ - المجتمع الإقطاعي، شارك خلال الحرب العالمية الثانية في المقاومة ضد الاحتلال الألماني لفرنسا، واعتقل في عام 1944 وأعدمه النازيون.

يمثل كتاب «الهزيمة الغربية.. شهادة نظمت في عام 1940» للمؤرخ الفرنسي مارك بلوخ «ترجمة عومرية سلطاني، وثيقة كتبها مؤرخ كبير من خلال تجربته، كضابط في الجيش الفرنسي، كان في الميدان عند اجتياح جيش هتلر بلجيكا، واحتلاله الأراضي الفرنسية، في الوقت الذي كان الجيش الفرنسي يتراجع، من دون خطة».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yj4jp8ua

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"