الحرب الطيبة والحرب المثالية!

00:10 صباحا
قراءة 3 دقائق

تذكرت المثل العربى «اختلط الحابل بالنابل»، وأنا أتأمل تلك المصطلحات التي انطلقت من دول الغرب، عما أسمته «الحرب الطيبة والحرب الشريرة» حسب ما تحققه تلك المعانى من مصالح تخصهم هم.

ورافقت تلك المسميات دراسات سياسية وعلمية لما سمي بالحرب المثالية والحرب الطيبة، والحرب السيئة، وكما كان الخبراء الدوليون الذين تابعوا هذه المقولات، منهم متخصصون في علوم الحرب، فإنهم شككوا في نوايا من يروجون لهذه المصطلحات، وأن لهم أهدافاً وراء الترويج لها وذيوعها.

ودخلت مؤسسات أكاديمية مثل جامعة أكسفورد وغيرها في دائرة تحليل هذه المسميات.

وترى أن القول بوجود حرب طيبة وأخرى سيئة أو شريرة، هو سلوك خرافي. فالحرب دون سند قانوني أو مشروعية، مثل تحرير أرض محتلة، أو ردع عدوان خارجى هي حرب شديدة الخطورة، وأن أكذوبة تصنيف الحرب بهذه الطريقة تعد ترويجاً لأفكار خطرة.

مثلًا – جامعة هارفارد الأمريكية صاحبة المكانة العلمية والسياسية قالت فى مجلتها Harvard Gazette إن ما يحدث الآن من إطلاق تعبير الحرب الطيبة على نزاعات بالغة الخطورة والضرر على العالم بأكمله، مثل حرب أوكرانيا، يخالف الحقيقة، ولا يعني بالضرورة أنها الحرب الطيبة.. ويشارك في الجدل الدائر المجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية – وهو مؤسسة للبحوث المستقلة، ويقول إن هناك توافقا بين حكومات الغرب على أن انتصار أوكرانيا هو الذي ينهي الحرب هناك، فهل صار انتصار أحد طرفي الحرب وهزيمة الآخر دون سعي لإيجاد حل سلمي للنزاع، هو معيار كون الحرب طيبة؟.

فأين هو معنى الحرب الطيبة هنا بينما لا نرى أي جهود للتقريب بين طرفي النزاع، وإنهاء مأساة راح ضحيتها الملايين بين قتلى وجرحى، ومشردين. ثم لماذا تحاولون إبعاد الأنظار عن الرغبة في استمرار الحرب مهما بلغت الخسائر والأضرار، طالما إن ذلك يحقق مصالح صناعات السلاح، وتدفق الأرباح عليها، من دوران عجلة الحرب بلا توقف.

معنى ذلك أن الحرب الطيبة أو المثالية تعني تجميد حالة العنف والدمار واستمراريتها بلا توقف.

نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريراً يقول: انظر إلى النهاية المأساوية لانسحابنا من أفغانستان – لقد نسي الأمريكيون بسهولة كيف أن الحرب بدأت ويرافقها إحساس متدفق بالانتصار، تلك التي وصفت يومها بالحرب الطيبة وتلك أكذوبة الترويج لمصطلح خطر.

أيضا، المؤرخ والكاتب الأمريكى جيفري ويتكروفت اتخذ من حرب العراق عام 2003، نموذجا للخلط المضلل للمصطلحات، وقال إن الذين قاموا بحرب العراق، اتضح أنهم يخدعون غيرهم، بالادعاء بأن من واجبهم أن يفعلوا شيئاً ضد نظام اتهموه بما ليس فيه من امتلاكه أسلحة دمار شامل، وزعموا أنهم يخوضون حرباً طيبة. والنتيجة سقوط قتلى غالبيتهم من المدنيين العراقيين.

صحيفة واشنطن بوست قدمت نموذجاً آخر تحت عنوان «التعريف الخطأ للحرب»، وقالت إن تعبيرات مثل التطرف أو الإسلاميين، استخدمت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وهي التعبيرات التي استخدمها الرئيس جورج بوش الابن، بدعوته لنوع من الحرب الصليبية ضد مسميات الإرهاب والإسلاميين، بينما كان مضمون دعوته هو السيطرة على الدول الإسلامية والأماكن المقدسة.

يدلي الخبير السياسي الأوروبى جيفرى ويتكروفت بدلوه في هذا الجدل، ويقول إن الحرب أياً كان اسمها فهي حرب للدمار وإزهاق الأرواح، فأين هي المثالية أو الطيبة هنا؟. وإن التعبيرات الخرافية للحرب الطيبة أو السيئة هي تعبيرات شديدة الخطورة، لأنها تشتت رؤيتنا لنوعية الحرب الدائرة وأسبابها ودواعيها بينما هناك حرب تمثل في حقيقتها تحريضاً على جريمة إشعال الحرب في حد ذاتها.

سبق تاريخياً أن بررت قوى دولية حروبها بأن أطلقت عليها مسميات إنسانية، بينما ما فعلته كان في حقيقته عدواناً مجرّماً. ينطبق ذلك على كثير من حروب وأعمال عدوانية، منها على سبيل المثال حروبها ضد حركات التحرر الوطنى في العالم الثالث، وغيرها من حروب عدوانية ضد دول لمجرد اختلافها معها سياسياً، وتمسكها بحريتها في اتخاذ قرارها. فهل لا تزال تلك الدول تعتبر أن حروبها تحمل مسمى الحرب الطيبة؟!.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2avkdrkr

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"