«بريكس».. الشراكة والتغيير

00:24 صباحا
قراءة دقيقتين

نجحت قمة مجموعة «بريكس» في جوهانسبورغ ليس فقط في تأكيد حضورها قوةً اقتصادية فاعلة في الساحة الدولية، وإنما في إثبات قدرتها على التمدد الجيوسياسي عبر توسيع دائرة عضويتها ووضع «أدلة استرشادية» لقبول المزيد من الأعضاء الجدد، ما يدخلها في منافسة حادة مع مجموعة السبع من خلال زيادة وزنها الديموغرافي والاقتصادي وحتى السياسي في الفضاء العالمي.

وعلى الرغم من التفاوت الاقتصادي من حيث النمو والأداء والمصالح المتباينة بين دول المجموعة، فإنها تتشارك النظرة في التغيير وبناء نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب وأكثر شمولية وعدلاً، بعد أن سئمت هيمنة النظام العالمي أحادي القطب الذي سمح بهيمنة الغرب على مقدرات الساحة الدولية. ومع ذلك، يبدو أن قمة جوهانسبورغ، شكلت محطة مفصلية، ليس فقط بسبب توسعها الجيوسياسي، وإنما لأنها هيأت المقدمات والمقومات الضرورية لبناء تكتل اقتصادي سياسي موحد سيكون له التأثير الأكبر في الساحة الدولية.

فمن الناحية الديموغرافية، يمثل قوام هذه المجموعة نحو نصف سكان الأرض أو أقل بقليل، ويمثل إنتاجها الداخلي نحو ربع الإنتاج العالمي، ولديها أسواق وعلاقات ممتده في أربع قارات، على الأقل، لكن توحيد مواقف دول المجموعة اقتصادياً وسياسياً في تكتل كامل الأبعاد يحتاج إلى بعض الوقت؛ إذ ليس سهلاً على دول المجموعة، على سبيل المثال، إزاحة هيمنة الدولار الممتدة منذ عقود على الساحة العالمية بشكل فوري. لكن خطوات أولى وجادة شقت طريقها في هذا المجال، باعتماد التبادلات بين دول المجموعة بالعملات المحلية، كما أن إمكانية التوافق على إصدار عملة موحدة لم تعد مستحيلة، وإنما هي مسألة وقت.

ما يلفت الانتباه هنا هو ما قاله الرئيس الصيني، خلال القمة بشأن أهمية حشد الحوكمة العالمية لإقامة نظام جديد أكثر توازناً وأكثر عدلاً. وليس صدفة أن تتخذ قمة جوهانسبورغ اسماً دالاً لها هو قمة «بريكس وإفريقيا»؛ حيث إن تنمية إفريقيا التي تحتضن أهم وأكبر الثروات العالمية، وتنهشها الصراعات بفعل تنافس القوى الكبرى في الاستحواذ على هذه الثروات، بات أولوية لدول المجموعة.

البعض يراهن، خصوصاً الولايات المتحدة، على أن توسيع عضوية «بريكس» سيضعف قبضة الصين صاحبة الاقتصاد الأقوى والأكبر في الهيمنة على دول المجموعة وقيادتها، بينما هناك من يعتقد بالمقابل، بأن توسيع «بريكس» سيمنحها المزيد من القوة والتماسك في التأثير في مجريات التطورات في الساحة الدولية؛ إذ إن قمة جوهانسبورغ لم تتوقف فقط عند توسيع عضويتها والرغبة في تحقيق سيادة الدول بالابتعاد عن الهيمنة الاقتصادية الغربية، وإنما كان في صلب جدول أعمالها الأزمات الدولية، والحرب المستعرة في أوكرانيا، وكيفية إيجاد الحلول السياسية لها وإنهائها، كجزء من مسؤولياتها الدولية الهادفة إلى خلق عالم أكثر أمناً واستقراراً، وهو ما يدفعها إلى الإصرار على البحث عن بديل للنظام العالمي القائم، وحتمية إقامة نظام جديد يقوم على احترام سيادة الدول وحق الشعوب في تقرير مصرها وفق القوانين الدولية وشرعة الأمم المتحدة، وليس وفق نظام الهيمنة المفروض بالقوة على العالم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/58c7ke6e

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"