أطلال أوطان تتشظى

00:26 صباحا
قراءة 3 دقائق

نبيل سالم

كأنما هو انتحار جماعي مع الأسف ما يجري في العديد من بلادنا العربية، حيث تتدحرج الصراعات والنزاعات المسلحة من بلد عربي إلى آخر، حاصدة أمامها مئات الآلاف من الضحايا، من قتلى وجرحى، ومخلفة دماراً لا يمكن تصوره، حتى أن من يشاهد صور الدمار والخراب يعجز عن تفسير ذلك الجنون الدموي، الذي يدفع المدنيون لا سيما الأطفال فاتورته الكبرى. وآخر فصول مسرحيات الموت ما يجري في السودان، حيث يفتك الموت بآلاف الأبرياء في المعارك المتنقلة من مدينة إلى أخرى، ويطحن الجوع مئات الآلاف من أبناء الشعب السوداني لا سيما الأطفال، تحقيقاً للمثل القائل «الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون».

 ففي تقرير عن الأوضاع في هذا البلد العربي حذّرت منظمات دولية أن المعارك الدائرة في السودان تحصد أرواح أطفال بأعداد مرعبة، وتفيد تقاريرها بمقتل 190 طفلاً وإصابة 1700 آخرين بجروح، خلال أول أسبوعين من القتال بمعدل سبعة أطفال بين قتيل وجريح على رأس كل ساعة، بواقع أكثر من 17 طفلاً في اليوم.. والأرقام تتزايد مع كل يوم، بحسب المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف»، جيمس إلدر، الذي نبه إلى عمق الوضع المأساوي للأطفال، موضحاً أن الوضع حالياً بات أسوأ وأكثر إخافة مما توقعته المنظمة العالمية لرعاية الطفولة.

 وأضاف أن الوضع في السودان بات قاتلاً بشكل مخيف لعدد كبير من الأطفال، متوقعاً أن يكون الواقع الفعلي أكثر سوءاً من ذلك.

 وتوضح منظمة الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف» أن الوضع التعليمي والثقافي للأطفال في السودان يتدهور بشدة، مشيرة إلى أن مئات الآلاف من الأطفال اضطروا إلى مغادرة مساكنهم، بسبب احتدام القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع.

 وكانت منظمة «اليونيسف» قد حذرت أن الوضع الإنساني المزري للأطفال في السودان وصل إلى مستويات قياسية كارثية، في ظل النزاع العسكري في السودان، وأن أكثر من 13.6 مليون طفل في السودان بحاجة ماسة للدعم الإنساني المنقذ للحياة، وهو أعلى رقم مُسجل على الإطلاق في البلاد، فيما يهدد القتال حياة ومستقبل العائلات والأطفال على حد سواء.

 وتبدو الكارثة أوضح إذا علمنا أنه حتى قبل اندلاع النزاع، كان 7 ملايين طفل يعيشون دون تعليم، وأزيد من نصف مليون طفل يعانون سوء التغذية الحاد.

ويؤكد الأمين العام للمجلس القومي للطفولة في السودان، عبد القادر أبو، أن هناك 14 مليون طفل على مستوى السودان في المناطق المتأثرة المختلفة، يعانون بشدة صدمةَ الحرب التي شكّلت هزة قوية لهم في جميع ولايات البلاد، خاصة في الخرطوم ودارفور، موضحاً أن هناك ما بين 2.5 إلى ثلاثة ملايين طفل سوداني في حالة جوع.

 ومن لم يدركه الموت من الأطفال الأبرياء في السودان بات يعاني نقص متطلبات الحياة من صحة وتعليم أو فقدانها، ليس بالنسبة للأطفال فقط وإنما بالنسبة لملايين الطلاب والطالبات من مختلف الفئات العمرية، مع استمرار المخاوف الشديدة من استمرار الحرب أو توسعها، وما يترتب عليها من نتائج كارثية على الأطفال تمس مختلف تفاصيل حياتهم في المجالات الصحية والتعليمية والنفسية.

 زد على ذلك تلك الجرائم التي تُرتكب بحق الأطفال، والتي تتعلق بتجنيدهم في القتال، والزج بهم في أتون المعارك، أو تعرضهم للاعتداءات الجنسية، وغيرها من الانتهاكات والجرائم البشعة.

 إضافة إلى كل ذلك، فإن مأساة تشريد أكثر من ثلاثة ملايين مواطن سوداني، ولجوئهم إلى الدول المجاورة يزيد من حجم الكارثة مع انسداد أفق أي حل سياسي.

 والمؤسف، أن ما يجري في السودان هو نسخة مكررة لما يجري في سوريا، واليمن، وليبيا، والعراق من مآسٍ وويلات ما زالت آثارها ماثلة للعيان.

 حيث يعاني ملايين الأطفال في هذه البلدان ظروفاً إنسانية قاهرة، إضافة إلى الاضطرابات السلوكية بسبب معايشتهم الحروب والكوارث في بلدانهم، ما يولّد مشاعر اليأس والإحباط في نفوسهم، وهو أمر يهدد جيلاً بكامله، وربما أكثر، ما لم تتوقف دائرة الموت والصراعات المجنونة هذه في العديد من الدول العربية، التي باتت مع الأسف أطلال بلدان.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/56yr5tbw

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"