ذروة العولمة

00:07 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

كانت قمة مجموعة العشرين في نيودلهي هذا الأسبوع بالأساس «قمة الهند»، ليس لأنها رئيس الدورة السنوية الحالية للمجموعة، ولا لأنها استضافتها، إنما لأن أهم ما حدث في القمة هو تعزيز التعاون بين الهند وأهم شركائها وفي مقدمتهم دول الخليج. أما القضايا التقليدية لقمم المجموعة فكانت عادية، وبالتالي جاء البيان الختامي لا يحمل أي جديد يتعلق بحل مشاكل الاقتصاد العالمي أو التصدي لقضايا مشتركة مثل التغير المناخي أو مشكلة اللاجئين نتيجة الحروب المختلفة.

 صحيح أن القمة أعلنت عن مشروع ممر اقتصادي يربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط، لكن ذلك في جوهره مشروع «جنوبي» إذا صح التعبير تقوده دول الخليج مع الهند وإن حظي بتأييد أوروبي وأمريكي. وهذا ما يجعله مختلفاً عن مشروع مماثل أطلقته الصين هو «الحزام والطريق» ولم يحظ بدعم غربي.  لا تختلف قمة العشرين عن قمة بريكس في جنوب إفريقيا الشهر الماضي، والتي كانت إلى حد كبير «قمة الصين» رغم أنها لم تكن الدولة المضيفة. لكن بكين في تلك القمة أنجزت أهم بند على جدول أعمالها، وهو توسيع عضوية المجموعة من خمس دول إلى إحدى عشرة دولة من بينها الإمارات والسعودية ومصر.

 وباستثناء قمة مجموعة السبع، التي تضم حصرياً الدول الغربية الكبرى، أصبحت قمم تلك المنتديات الدولية تقودها دول الجنوب أكثر من الشمال، ودول الشرق أكثر من الغرب. لذا كان منطقياً تماماً أن يوجه الرئيس الأمريكي الشكر الكبير لرئيس دولة الإمارات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد في قمة العشرين على جهوده لإنجاز أهم مخرجات القمة: الممر الاقتصادي من الهند إلى أوروبا.

 صحيح أن الولايات المتحدة، في سعيها لحصار الصين ووقف صعودها تشجع على جعل الهند منافساً قوياً لجارتها، لكن الأصح أن دول منطقة الخليج والعالم العربي عموماً يتصرفون ببراغماتية تستند أولاً إلى المصلحة الوطنية فتستفيد من تلك الأوضاع. لذا، فالمنطقة تشارك في «الحزام والطريق»، وهي من أطلق الممر الاقتصادي، والهدف النهائي هو تقوية المكانة الإقليمية والدولية لمنطقتنا.

 يشير ضعف وتراجع التأثير الأمريكي والغربي في تلك المنتديات الدولية، وتحديداً مجموعة العشرين التي تعد وسطاً بين مجموعة السبع الغربية ومجموعة بريكس الجنوبية، ليس فقط إلى تحول التنافس التجاري والاقتصادي بين الشرق والغرب والشمال والجنوب، إنما الأهم أنه يشير إلى أن التوجه الذي ساد منذ ثمانينات القرن الماضي بنهاية الحرب الباردة واصطلح على تسميته «العولمة» وصل إلى ذروتها وربما أخذ منحنى تطوره في الهبوط.

 كان توجّه العولمة، أي تسريع وتقوية الاعتماد المتبادل بين الدول بتسهيل انتقال السلع والخدمات ورؤوس الأموال وغيرها، مصلحة أمريكية غربية في سياق تشكيل ما سمي «نظام عالمي جديد». على أن تتوسع قاعدة النظام وتظل قيادته أمريكية مع تحالف غربي قوي. استفادت القوى الصاعدة من العولمة بقدر أكبر وتطورت اقتصادياً بشكل جعلها منافساً للقوة العظمى، أمريكا، ومحيطها التقليدي من القوى الغربية الكبرى التقليدية.

كشفت أزمة وباء كورونا بوضوح، أن كل ما روجت له القوى المتحمسة للعولمة لم يصمد أمام الواقع العملي. وحين ضرب الوباء العالم كله، غابت جهود التنسيق والتعاون وتركت كل دولة تواجه مصيرها حسب قدراتها. ولعل في نقص سبل الوقاية والحماية وقتها، وما حدث من سرقة بعض الدول شحنات القفازات والكمامات وغيرها، خير مثال على وهم العولمة والتعاون الدولي.

 إن ما أثار قلق الدول الغربية أكثر هو مشكلة سلاسل التوريد التي أصبحت تتركز خارج نطاقها الجغرافي وأغلبها في الصين، وتلك كانت ذروة العولمة التي وصل إليها منحنى تطورها. ومنذ عام 2020 بدأت الولايات المتحدة وأوروبا في العمل على دفع منحنى العولمة عن ذروته ليتجه نزولاً. وما كثرة المنتديات الدولية وتعدد القمم العالمية إلا جزء من ذلك الجهد، ليس للتعاون في حل مشكلات العالم، بل على الأغلب لاستكشاف المصالح الفردية والإقليمية على الأكثر.

 والمؤشرات قوية على ذلك، من السياسات الحمائية للدول الكبرى إلى التوسع في استخدام سلاح العقوبات الاقتصادية في صراعات جيوسياسية. وكل ذلك يضرب أسس العولمة تماماً. والأرجح كما تشير التطورات الحالية أن «تتشرذم» العولمة إلى عدة «عولمات»، أو ربما بشكل أدق «أقلمة»، أي تكامل إقليمي، يبرز فيه الشرق والجنوب أكثر. وتلك فرصة منطقتنا لتعزيز مكانة الإقليم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3mehvk32

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"