أيّ فرصة لـ«التكتل الثلاثي» المضاد؟

00:19 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. محمد السعيد إدريس

لم تحظ الزيارة التي بدت مفاجئة، والتي قام بها وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى كوريا الشمالية، قبل أن تختتم احتفالات الصين بالعيد العاشر لمبادرة «الحزام والطريق»، التي شارك فيها الوزير الروسي برفقة الرئيس فلاديمير بوتين، بالاهتمام الكافي من جانب مراكز البحوث والدراسات الاستراتيجية، خاصة الغربية منها، التي تتابع، بدأب، العلاقات الصينية – الروسية، في ظل هاجس غربي مسيطر، مفاده أن أي تطور إيجابي يحدث على صعيد العلاقات الصينية – الروسية مردوده سلبي بالضرورة على المصالح الغربية.

ولم يعرف، على وجه اليقين، هل غادر سيرغي لافروف، بكين متوجهاً إلى العاصمة الكورية الشمالية بيونغ يانغ، قبل أن يغادرها الرئيس بوتين، أم لا؟ لكن هناك ما يوحي بأن شيئاً مهماً، وربما يكون مهماً للغاية، هو الذي دفع الرئيس بوتين إلى إعطاء تعليماته لوزير خارجيته أن يذهب إلى العاصمة الكورية الشمالية، خاصة أن لافروف التقى صبيحة وصوله مباشرة بالزعيم الكوري الشمالي، كيم جونج أون.

بعض التفسيرات قالت إن الدافع لهذه الزيارة «المثيرة للاهتمام» ربما يكون فشل بوتين في الحصول على الدعم العسكري الذي يتأمله من الصين، في وقت أضحى فيه هذا الدعم ضرورياً لمواجهة متطلبات الحرب الروسية في أوكرانيا. تفسيرات أخرى قالت إن لافروف سافر من بكين إلى بيونغ يانغ، للإعداد للزيارة المرتقبة التي سيقوم بها الرئيس بوتين لكوريا الشمالية، تلبية لدعوة تلقاها من زعيم كوريا الشمالية في ختام زيارته «التاريخية» لروسيا التي امتدت لخمسة أيام في أغسطس/ آب الماضي.

هناك تفسير آخر أكثر طموحاً، مفاده أن لافروف ذهب إلى بيونغ يانغ، في تلك الظروف، وبالتحديد في أعقاب اجتماع القمة الذي عقد بين الرئيسين الصيني شي جين بينغ، والرئيس بوتين، على هامش احتفالات الصين بالعيد العاشر لمبادرة «الحزام والطريق»، لإطلاع الرئيس الكوري الشمالي على ما تم التداول بشأنه بين الزعيمين، الصيني والروسي. هذا التفسير، شديد الأهمية، لأنه يعني في حال ثبوته، أن محوراً جديداً آخذاً بالتشكل في قيادة النظام العالمي في الاتجاه المناوئ للمحور الأمريكي – الياباني – الكوري الجنوبي، الذي تشكل في قمة وصفت بأنها «تاريخية»، بين الرئيس الأمريكي، جو بايدن، والرئيس الكوري الجنوبي، يون سوك يوك، ورئيس الوزراء الياباني، فوميوكيشيدا، عقدت في منتجع كامب ديفيد الشهير، بالقرب من العاصمة الأمريكية واشنطن في سبتمبر/ أيلول الماضي، بعد مصالحة ناجحة، وصفت هي الأخرى ب«التاريخية»، بين الرئيس الكوري الجنوبي ورئيس وزراء اليابان، استهدفت تصفية التركة السلبية في العلاقات الكورية الجنوبية مع اليابان خلال سنوات استعمار اليابان للجزيرة الكورية. وهذا التفسير يعني قبل ذلك تجاوز عقبة صينية مهمة، وهي أن الصين تعلن دائماً أنها ملتزمة بعدم تشكيل محاور، أو الدخول في تكتلات ضد أحد. فكبار المسؤولين الصينيين يؤكدون دائماً، وفي كل المناسبات، هذه القاعدة الملزمة في الدبلوماسية، تجنباً لتعرضها هي الأخرى لأي محاور تستهدفها.

آخر هذه التصريحات، وأبرزها، ما ورد على لسان الرجل الذي يسمى «كبير الدبلوماسيين الصينيين»، أو «رئيس الدبلوماسية الصينية»، بصفته عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني رئيس لجنة الحزب للشؤون الخارجية، وانغ يي، الذي تولى مؤخراً منصب وزير الخارجية. ففي أثناء وجوده في موسكو (19/9/2023) ضمن انطلاق الجولة الثامنة عشرة من المشاورات الصينية – الروسية حول الأمن الاستراتيجي، قال في بداية لقائه مع وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن «بكين وموسكو تنتهجان سياسة خارجية مستقلة، وأن تعاونهما ليس موجهاً ضد أحد».

هل يمكن تصور تخلّي الصين عن هذا الالتزام ضمن سياق تطورات المواجهة الأمريكية مع الصين، وتشكيل واشنطن تحالفاً ثلاثياً مع اليابان وكوريا الجنوبية، وقبله تشكيل تحالف «كواد» الرباعي، مع اليابان والهند واستراليا، بهدف احتواء الصين، وفرض السيطرة الأمريكية على منطقة المحيطين الهادى- الهندي؟ هل وصلت رسالة وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، التي أعلنها عشية لقاء القادة الثلاث الأمريكي، والكوري الجنوبي والياباني في كامب ديفيد؟

فعشية تلك القمة الثلاثية، أكد وزير الخارجية الأمريكي، أن هذه المناسبة ستمثل «حقبة جديدة من التعاون الثلاثي». وقال إن «تعزيز التعاون الثلاثي أمر حاسم لتحقيق نتائج للولايات المتحدة، وكذلك للمنطقة وللعالم».

هل يمكن أن تقبل الصين بتشكيل «التكتل الثلاثي» المضاد؟ وأين روسيا وكوريا الشمالية من هذا المسعى، وكيف سيكون رد الفعل الأمريكي؟ تساؤلات مهمة لا تزال تبحث عن إجابات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3pssd56f

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"