عادي

تونس تستكمل «الجمهورية الجديدة»

00:10 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. محمد عزالعرب *

شهدت تونس في 24 ديسمبر /كانون الأول الجاري، أول انتخابات لاختيار 277 عضواً في المجالس المحلية، عبر 2155 دائرة، للمرة الأولى في تاريخ البلاد، إذ ينافس أكثر من سبعة آلاف وسبعمئة وسبعين مرشحاً، في حين بلغ عدد الناخبين التونسيين المعنيين بالانتخابات 9 ملايين و79 ألفاً و271 ناخباً.

يقوم نظام الانتخابات على الأفراد- وليس القوائم- على دورتين انتخابيتين، مع الأخذ في الاعتبار تراجع نسب المشاركة التصويتية فيها بنسبة 11.66 في المئة، حيث إن «نسبة النساء المشاركات في الانتخابات المحلية بلغت 32.37%، أي 342 ألفاً و824 ناخبة، مقابل 67.63% من الذكور أي 716 ألفاً و180 ناخباً، وفقاً لتصريح رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر، خلال مؤتمر صحفي في 25 ديسمبر/ كانون الأول الجاري.

وتعتبر هذه الانتخابات المرحلة الأولى لتشكيل المجلس الأعلى للجهات والأقاليم الذي يمثل الغرفة التشريعية الثانية في البرلمان. كما أن إجراء الدور الثاني لانتخابات المجالس المحلية سيتم في منتصف فبراير/ شباط المقبل، بالنسبة للمرشحين الذين لم ينالوا أغلبية الأصوات في عملية الاقتراع.

خمسة أقاليم

وتجدر الإشارة إلى أن تونس تتكون من خمسة أقاليم، وتضبط حدودها على النحو التالي: الإقليم الأول يضم ولايات: بنزرت وباجة وجندوبة والكاف. والإقليم الثاني يضم ولايات: تونس وأريانة وبن عروس وزغوان ومنوبة ونابل. فيما يضم الإقليم الثالث ولايات: سليانة وسوسة والقصرين والقيروان والمنستير والمهدية. ويشمل الإقليم الرابع ولايات: توزر وسيدي بوزيد وصفاقس وقفصة، أما الإقليم الخامس فيتكون من ولايات: تطاوين وقابس وقبلي ومدنين.

وقد تباينت الرؤى تجاه أهمية إجراء تلك الانتخابات ما بين الداعم لها، والمناوئ لانعقادها في الداخل التونسي، وفقاً لأسانيد محددة.

الاتجاه الداعم

الرأي الذي يدعم إجراء الانتخابات في موعدها يستند إلى مبررات عدة:

  • أولها أنها تمثل استكمالاً لركائز المشروع الإصلاحي للرئيس قيس سعيد، الجاري منذ ثلاثة أعوام، وتحديداً بعد إجراءات 25 يوليو/ تموز 2021، لتدشين ما أطلق عليه «الجمهورية الجديدة»، ويتمثل في أركان الحكم من القاعدة الممثلة في انتخابات المحليات، ومروراً بانتخابات الهيئات التشريعية واختيار القيادات التنفيذية، وصولاً إلى قمة هرم السلطة المتمثلة في انتخابات الرئاسة، الأمر الذي يعكس الالتفاف حول مسار يوليو/ يوليو، واستكمال المؤسسات الدستورية.
  • ثانيها، أن هذه الانتخابات لم تشهد الظواهر السلبية التي عرفتها الاستحقاقات الانتخابية السابقة بعد ثورة الياسمين، ولاسيما الحشد الانتخابي، والسعي لشراء الأصوات، خاصة من قبل بعض القوى السياسية. ووفقاً لذلك، يرى قطاع من الرأي العام التونسي، أنه من الأهمية بمكان تجاوز «العشرية السوداء» التي سمحت بتوسع نفوذ حركة النهضة وأتباعها، والتي استنزفت البلاد على الصعد السياسية والاجتماعية والأمنية.
  • ثالثها، أن غياب مشاركة الأحزاب السياسية التقليدية قد يمهد الطريق لانتخابات نخبة سياسية شابة جديدة بالعمل السياسي، يمكنها إحداث تغييرات، والرغبة في إحداث فارق، خاصة على صعيد تعزيز التنمية المناطقية مقارنة بالعاصمة، أو المدن الكبرى، أو المناطق الحضرية، وتجاوزها ما يسمى بالتنمية غير المتوازنة. وتبعاً لذلك الاتجاه، ستصبح الانتخابات بمثابة رافعة للتنمية الشاملة في كل ربوع الوطن، ومعالجة الملفات التي تهم المواطن العادي، خاصة على صعيد القضايا المعيشية والاقتصادية، وبما يصب في مصلحة المهمشين وفقا لحلول «قاعدية» وليست «فوقية».

الرأي المعارض

في مواجهة الاتجاه السابق، هناك رؤية مغايرة لتلك الانتخابات من قبل قطاع آخر من الرأي العام التونسي، تستند إلى مبررات عدة.

  • أولها، رفض منظومة 25 يوليو/ تموز، واستكمال معارضة مشروع الرئيس قيس سعيّد، الذي يؤسس لحكم فردي، ويستبعد مشاركة المنظمات نقابية والحقوقية الأحزاب السياسية الرئيسية من ترتيب البيت الداخلي والعملية الانتخابية، مثل حركة النهضة وأحزاب »العمال« و«الدستوري الحر»، و«الجمهوري»، و«التيار الديمقراطي»، و«آفاق تونس»، و«المسار الديمقراطي الاجتماعي»، و«الحزب الاشتراكي»، و«التكتل من أجل العمل والحريات»، و«القطب»، و«الحزب الاجتماعي التحرري». وتبعاً لذلك، لا يتصور استكمال المشروع الإصلاحي في تونس من دون الأحزاب السياسية التي تعد العماد الرئيسي لأي تحول ديمقراطي.
  • ثانيها، تواصل ارتداد استقالة عموم الشعب التونسي من الانخراط في الشأن العام، بسبب ما عاشته تونس خلال العشرية السابقة من تعامل مع المناصب العمومية كغنيمة شخصية وحزبية. بعبارة أخرى، تراجع الطلب على السياسة في الداخل التونسي، نتيجة انتشار عدوى الفساد الذي نخر جميع المرافق والمجالات، والحكم المحلي، والمركزي أيضاً. بعبارة أخرى، تم تغليب المصالح السياسية والشخصية على حساب التنمية الجهوية.
  • ثالثها، تزايد حدة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية أثر في معدل مشاركة المواطنين في الانتخابات، فضلاً عن جهل البعض بماهية المجالس المحلية، والتي سيتم انتخابها على مستوى دوائر ضيقة، أي على مستوى العمادات، والعمادة هي أصغر قسم إداري في التقسيم الإداري التونسي، وترجع بالنظر إلى المعتمدية التي بدورها تعود بالنظر إلى الولاية (المحافظة)، وتُصعد كل عمادة شخصاً بالانتخاب ليمثل العمادة في المعتمدية، وهو ما يكون المجلس المحلي، الذي يتشكل من المنتخَبين على مستوى العمادات التي تتبع المعتمدية المعنية.

مرآة عاكسة

إن ما تشهده تونس من جدل متصاعد بشأن جدوى إجراء انتخابات المجالس المحلية، ومعارضة الأحزاب والقوى السياسية التقليدية، لها هو انعكاس لصراع مشروعين، مشروع الرئيس قيس سعيّد الذي يمثل المسار التصحيحي لثورة تونس 2011 التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي، في مواجهة مشروع الأخونة للسيطرة على مفاصل ومؤسسات الدولة، الذي لا يزال يعمل ويعتبر ما فعله سعيد هو انقلاب على دستور 2014. غير أنه يبدو أن الرئيس سعيّد ماضٍ في استكمال مشروعه، وإن ينقصه احتضان القوى السياسية المستقلة المؤمنة بتدشين الجمهورية الثالثة على أسس مختلفة، لاسيما وأن الغرفة البرلمانية الثانية، التي ستنبثق عن هذه الانتخابات، هي أفضل ما جاء به دستور 25 يوليو/ تموز، على اعتبار أن مجلس الجهات والأقاليم ستكون له اليد العليا في الموافقة على الموازنة، وعلى مخططات التنمية والضامن لتحقيق التوازن بين الجهات والحد من التمييز التنموي بين المحافظات.

* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/yc2ckn3t

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"