عادي
سباق التسلح والخروج من اتفاقيات «النووي والتقليدي» أبرز شواهد الاستعدادات

هل تندلع الحرب العالمية الثالثة؟

00:25 صباحا
قراءة 8 دقائق
محاكاة لإمكانية غزو الصين لتايوان

د. أيمن سمير

هل تندلع الحرب العالمية الثالثة؟ سؤال بات يردده الكثيرون من كثرة الاستقطاب العالمي، وغياب «المساحات المشتركة» بين القوى العظمى، وتكديس السلاح، بما فيه الزيادة غير المسبوقة في إنتاج وتخزين الأسلحة، النووية والكيمائية والبيولوجية، وكل أسلحة الدمار الشامل، وتزامن كل ذلك مع غياب الاحترام للقانون الدولي، خاصة القانون الدولي الإنساني، وتراجع دور الأمم المتحدة، وعجز مجلس الأمن عن القيام بدوره في الحفاظ على السلم والأمن الدولي

اليوم باتت هناك قناعة لدى الملايين من البشر، أن الأجواء التي يعيشها العالم حالياً، تشبه الأجواء التي كانت سائدة «ليلة» نشوب الحرب العالمية الثانية، وهي أجواء كانت تقوم على «الحسابات الصفرية»، والثقة بأن لغة «البندقية والرصاص» يمكن أن تحقق ما لم تستطع الدبلوماسية وطاولة المفاوضات تحقيقه. أجواء الحرب العالمية القادمة يراها البعض في السباق على نشر القواعد العسكرية، ومئات آلاف الجنود، واقتراب جيوش كل دولة من حدود وتخوم الدول المنافسة، فالسباق على توزيع البارود ليس فقط على الكرة الأرضية، سواء في اليابسة، أو في البحر، أو حتى في الجو، بل وصل الصراع والتنافس والتكالب على المدارات السماوية، وعسكرة الفضاء، وبناء «السفن الانزلاقية» التي تستهدف القواعد العسكرية على الأرض من الفضاء.

جو بايدن

بعيداً عن أدوات الحرب العالمية الثالثة التي يرى البعض أنها باتت جاهزة، هناك من يشير أيضاً إلى جاهزية «الدوافع والغايات» للحرب الكونية الجديدة، عبر نشر الكراهية، وتسفيه دور الأسرة والقيم الاجتماعية والترابط الإنساني، بل وخفوت دور وقيمة الدين والأخلاق والتسامح والوسطية في عقول وقلوب البشر في جميع أرجاء المسكونة.

وتعزز من الاعتقاد السائد لدى البعض بأن العالم مقبل على حرب عالمية ثالثة، تلك التهديدات الواضحة بشن حرب نووية من دول وزعماء كبار في العالم، مثل الزعيم الكوري الشمالي كيم جون أون، الذي يهدد جيرانه والولايات المتحدة بحرب نووية، ليل نهار، وما يجري على الجبهة بين روسيا وأوكرانيا هو «وصفة كاملة» للخروج عن السيطرة، والدخول في حرب بين روسيا وحلفائها الحاليين والمنتظرين من جانب، وحلف الناتو الذي يضم 31 دولة من جانب آخر، فهل فعلاً بات العالم على حافة «الحرب العالمية الثالثة؟

شي جين بينغ

محفزات ومسببات

ينطلق المؤيدون لفكرة أن الحرب العالمية الثالثة على الأبواب من مجموعة من المشاهد والحسابات، وهي:

أولاً: إنفاق عسكري غير مسبوق

خلال الأيام الماضية وافق الكونغرس الأمريكي، بمجلسيه الشيوخ والنواب، على الميزانية العسكرية لعام 2024 ب886 مليار دولار، وهي بذلك أعلى إنفاق عسكري في تاريخ الولايات المتحدة، وخصصت روسيا ما يقرب من 25% من ميزانيتها لعام 2024 للمجهود الحربي، وتجاوز الإنفاق العسكري العالمي في عام 2023 نحو 1.5 تريليون دولار، وقد يصل إلى تريليونَي دولار في العام الجاري، وهو ما تعكسه الأرقام القياسية للميزانيات العسكرية للدول الكبرى في العالم، مثل ألمانيا التي سوف يصل فيها متوسط الإنفاق العسكري سنوياً لنحو 55 مليار دولار، مع تخصيص نحو 100 مليار دولار لتحديث الجيش الألماني، وهو المسار نفسه الذي تتبعه اليابان التي خصصت 335 مليار دولار للإنفاق العسكري خلال السنوات الخمس المقبلة، ولأول مرة في تاريخ اليابان المعاصر تحصل على صواريخ طويلة المدى من طراز توماهوك، وسوف يزيد معدل الإنفاق العسكري لدول مثل أستراليا ودول مجموعة بودابيست التسعة في شرق ووسط أوروبا، على 3 % من الناتج الإجمالي القومي، وكلها معدلات إنفاق عسكري لم يعرفها العالم، حتى في ذروة الحرب الباردة.

ثانياً: الأسلحة النووية التكتيكية

لا يتوقف سباق التسلح على الأسلحة التقليدية، بل بات التهديد بالأسلحة النووية ومحو الآخر من على الخريطة أمراً يجري الحديث عنه بين الدول المتصارعة، وسمعنا هذا الأمر أكثر من مرة من كوريا الشمالية، وروسيا، كما أن التسريبات عن حلف دول شمال الأطلسي «الناتو» بقيادة الولايات المتحدة تقول إنهم لا يتركون فرصة إلا ونشروا كل أنواع الأسلحة النووية بكل مدياتها، القصيرة والمتوسطة والطويلة، لكن الأخطر هو السباق بين الدول النووية لتحديث ترسانتها النووية من القنابل القديمة الكبيرة، إلى النماذج الجديدة الصغيرة «التكتيكية»، ما يحول السلاح النووي من «سلاح ردع وتخويف» إلى «سلاح عملياتي» يجري تجهيزه لاستخدامه في ساحة المعارك، وتزامن هذه التوجه في تغيير نمط الأسلحة النووية مع حرص دول «النادي النووي» التسع «أمريكا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا والهند وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل»، على امتلاك كل عناصر «المثلث النووي»، وهو أدوات توصيل القنابل النووية لأهدافها، من البر والجو والبحر سواء بالصواريخ، أو القاذفات، الاستراتيجية، أو السفن والغواصات.

ثالثاً: الخروج من اتفاقيات «تقييد السلاح»

ظل التقيّد بالاتفاقيات التي تحد من إنتاج ونشر واستخدام الأسلحة، سواء كانت تقليدية أو استراتيجية، عنواناً لرغبة القوى الكبرى في عدم الذهاب لحروب كبيرة، أو عالمية، منذ الحرب العالمية الثانية، وطوال نحو 45 عاماً من الحرب الباردة، ولهذا يشكل الانسحاب الأمريكي والروسي من اتفاقيات الحد من إنتاج ونشر الأسلحة النووية «خطوة إضافية» نحو نشوب حروب واسعة تستخدم فيها هذه القوى جميع أنواع الأسلحة والذخيرة المتاحة، وخلال السنوات الأربع الماضية، انسحبت واشنطن وموسكو من جميع الاتفاقيات التي تحد من نشر الأسلحة التقليدية والنووية، ولعل أبرزها الخروج من «معاهدة الحد من الأسلحة التقليدية»، نهاية العام الماضي، التي كانت تغطي مساحة واسعة من جبال الأورال شرقاً، حتى المحيط الأطلنطي غرباً، وظل الالتزام بها منذ عام 1992، وقبلها خرجت الولايات المتحدة من «اتفاقية السماوات المفتوحة» في 28 مايو2021، وانسحبت روسيا من الاتفاقية نفسها رداً على الانسحاب الأمريكي من جانب واحد، وهي الاتفاقية التي كانت تحدّ من التسلح، عبر السماح بتسيير رحلات جوية غير مسلحة فوق الدول الموقعة على الاتفاق، وجرى إقرارها عام 1992 من جانب 27 دولة، في العاصمة الفنلندية هلسنكي، وبدأ العمل بها في أول يناير 2002، وعلقت روسيا أيضاً العمل باتفاقية «نيوستارت» منذ 21 فبراير الماضي، وهي الاتفاقية الوحيد التي كانت تقيد التوسع في إنتاج ونشر الأسلحة النووية الاستراتيجية في العالم، وجرى توقيعها في براغ التشيكية لأول مرة في 8 إبريل، عام 2010 لمدة 10 سنوات، من جانب الرئيس الروسي السابق ميدفيدف، والرئيس الأمريكي الأسبق أوباما، كما سحبت موسكو التصديق على اتفاقية «حظر التجارب النووية»، وهي الاتفاقية التي كانت تمنع الدول الأعضاء من إجراء تجارب نووية جديدة، ونجحت هذه الاتفاقية في إلزام الدول التي وقعت عليها بعدم إجراء أي تجربة نووية، منذ التوقيع على الاتفاقية في نيويورك في 24 سبتمبر 1996، وفي أغسطس 2019 انسحبت كل من موسكو وواشنطن من«اتفاقية منع إنتاج ونشر الصواريخ القصيرة والمتوسطة في أوروبا»، ونتيجة لهذا الانسحاب يجري الآن نشر الصواريخ في أوروبا، وخارجها، بما فيها منطقة الاندو- باسيفك، وهي اتفاقية منذ زمن الاتحاد السوفييتي، حيث وقعها الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، مع نظيره السوفييتي غورباتشوف في 8 ديسمبرعام 1987.

نقص السلاح والذخيرة أبرز كوابح نشوب حرب عالمية ثالثة

رابعاً: اختفاء مساحات الحياد من العالم

الشعار الذي يرفعه الجميع هو «من ليس معنا فهو علينا»، الأمر الذي زاد من الضغوط على الدول والشعوب التي تريد أن تقف على «الحياد»، وتكون على «مسافة واحدة» من الجميع، كما أن موجات التخويف والهلع دفعت الدول التي كانت توصف بالدول المحايدة، إلى التخلي عن الحياد، واللحاق بالتحالفات العسكرية، وفنلندا والسويد هما خير نموذج على هذا الأمر

خامساً: الاستقطاب الدولي

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والحرب الباردة، لم يشهد العالم حالة من الاستقطاب الحاد كما نشهده في عالم اليوم، وبات التوافق حتى على القضايا البسيطة صعب المنال، واختفت «المساحات المشتركة» بين الأقوياء، وبات كل طرف يبحث فقط عن «بناء التحالفات»، والاستعداد لساعة المواجهة، فالولايات المتحدة تقسم العالم إلى محورين، الأول معها، والثاني عليها، الأول ديمقراطي وليبرالي، والآخر ديكتاتوري يجب تعديله، وتغييره بكل الوسائل، بداية من الثورات الملونة، ودعم المعارضين بكل أشكالهم، وصولاً إلى التدخل المباشر، وإسقاط الأنظمة من الخارج، ومن أجل ذلك تستثمر الولايات المتحدة في بناء التحالفات العسكرية والاقتصادية المختلفة، بداية من «تحالف الأوكوس»، و«الكواد»، و«العيون الخمس» و«الناتو»، وغيرها.

في المقابل، لا ترى روسيا والصين أي توافق مع النظام العالمي الحالي «القائم على القواعد»، وهو النظام الموروث منذ الحرب العالمية الثانية، وتعزز مع تفكك الاتحاد السوفييتي السابق، وهناك إصرار صيني روسي على بناء «نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب»، تسقط فيه الولايات المتحدة بكل أنظمتها، السياسية والأمنية والعسكرية، من قمة الهرم العالمي لتصبح خلف الصين وروسيا، وهو أمر يجعل المرور في «فخ ثيوسيديدس» والدخول في حرب بين القوى الكبرى أمراً لا مفر منه، لحسم هذا الصراع لمصلحة طرف من الطرفين.

سادساً: الأنانية والحسابات الصفرية

دائماً ما كان هناك تنافس بين القوى الكبرى في العالم، منذ أيام الصراع بين إسبرطة وأثينا، لكن الصراع الجاري القائم على «الأنانية السياسية» و«الحسابات الصفرية» التي يريد فيها كل طرف أن يحصل على كل شيء، وينكر على الطرف الآخر الحصول على أي شيء، يهدد بقيام حرب عالمية ثالثة، فأي نظرة لمواقف الدول والأطراف المتحاربة في العالم تؤكد لنا أن غياب التسوية السياسية ناتج عن رغبة كل طرف في الحصول على كل شيء، من دون التنازل عن أي شيء للطرف الآخر، ما يجعل الحروب الحالية من نمط الحروب الطويلة، والتي تستنزف أصحابها، ولم يعد هناك من يقبل «بالمقاربات الواقعية» التي تسمح بوقف الصراعات مقابل حصول تسوية تستجيب لمطالب الجميع

كوابح

رغم كل ما يقال عن وجود أسباب موضوعية ومحفزات لنشوب حرب عالمية ثالثة، إلا أن المدقق في أوضاع عالمنا، المنهك، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، يتأكد له أن هذا العالم لا يمكن أن يقدم على حرب عالمية ثالثة لأسباب كثيرة، لعل أبرزها:

أولاً: النقص في السلاح والذخيرة

الحرب الروسية الأوكرانية هي أكبر دليل على عدم قدرة العالم على الدخول إلى حرب عالمية ثالثة، فبعد مرور 6 أشهر فقط، على الحرب الروسية الأوكرانية بدأ الطرفان بالشكوى من نقص الذخيرة والسلاح، ويعاني حلف الناتو الذي يضم 31 دولة، ومعه نحو 20 دولة أخرى تدعم أوكرانيا، من نقص السلاح والذخيرة، وفشلت دول الاتحاد الأوربي في تحقيق وعدها لأوكرانيا بتوفير مليون قذيفة مدفعية في عام 2023، ولم تحقق من هذا الهدف إلا نحو 55 % فقط، السيناريو نفسه تعانيه مصانع السلاح والذخيرة الأمريكية، فالشركات السبع الكبار التي توفر السلاح والذخيرة لوزارة الدفاع الأمريكية «البنتاغون» لا تستطيع توفير كل طلبيات السلاح للبيت الأبيض ووزارة الدفاع الأمريكية، ولا يقتصر الأمر على هذا، فروسيا التي تواجه كل هذه الدول تعاني أيضاً، ولهذا أصبحت روسيا من جانب، وأوكرانيا ومن ورائها «حلف الناتو»، من جانب آخر، عالقين في هذه الحرب، والجميع يبحث عن مخرج يحفظ ماء وجهه مع الاقتراب من الذكرى الثالثة للحرب الروسية الأوكرانية، وهو ما يقول إن الجميع تعلم الدرس جيداً، وأن العالم منهك عسكرياً، ولا يستطيع أن يدخل في حرب عالمية، أو كونية جديدة، وهو غير قادر على تلبية الذخيرة والسلاح لحرب إقليمية، وفي مساحة ضيقة، وهي شرق أوكرانيا، فكيف يخوض العالم حرباً على مساحة الكرة الأرضية؟ الدرس نفسه أدركته الصين، فبعد العقوبات غير المسبوقة على روسيا، لا يمكن للصين أن تفكر في استرداد تايوان بالقوة، لأنها تعلم أن العودة الطوعية لتايوان بالمباحثات السياسية الطويلة، أفضل بكثير من الانجرار لحرب ربما من السهل تحديد وقت الدخول فيها، لكن لا يمكن لأحد أن يعرف كيف، ومتى يخرج منها.

ثانياً: مشاكل سلاسل الإمداد

اكتشف العالم مع الحرب الروسية الأوكرانية، وقبلها جائحة كورونا، أن هناك مشاكل معقدة ومتشابكة في سلاسل الإنتاج، وتوصيل المنتجات، من المصنع إلى المستهلك، ولهذا عانت الولايات المتحدة طويلاً من ظاهرة «الرفوف الخالية »، ونقص الحاويات التي تنقل البضائع، وغيرها من المشاكل التي تحتاج سنوات وسنوات لحلها، وهنا الدرس الثاني الذي تعلّمه العالم، فالجميع بات يدرك ما قاله نابليون بونابرت: «الجيوش تمشي على بطونها»، أي أن مشاكل الاقتصاد، وتوفير سلاسل الإمداد واللوجستيات هي بذات أهمية توفير السلاح والجنود.

ثالثاً: تدمير العالم

هناك إدراك ووعي متزايد لدى القادة والشعوب في العالم بأن أي حرب عالمية ثالثة سوف تكون مختلفة عن الحربين، الأولى والثانية، وفي ظل وجود نحو 12 ألف رأس نووي لدى 9 دول في النادي النووي، فإن الدخول في حرب عالمية ثالثة تعني تدمير العالم أكثر من مرة، وهذا خيار يجعل الجميع يفكرون ألف مرة قبل الإقدام عليه.

البدائل

تحليل المحفزات والدوافع، وأيضاً الموانع والكوابح لمدى نشوب الحرب العالمية الثالثة، يقول إننا لن نكون أمام تلك الحرب الكونية، على الأقل، في المديين القريب والمتوسط، لكن ما يمكن أن يجري هو حروب بالوكالة، أو حروب إلكترونية وسيبرانية، ونشر مزيد من الأمراض والأوبئة والجوائح، ما يجب أن نكون جميعاً في استعداد له.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/2aftujtz

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"