خمس مراحل للأدب

00:05 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.باسمة يونس

لقد عكس تحول السرد في الإمارات على مر عقود التطورات الاجتماعية والثقافية والسياسية التي شهدتها الدولة منذ تأسيسها في عام 1971، ما يجعل قراءة مراحل تطوره الرئيسية تتماهى مع تاريخ تطور الدولة المستمر وقفزات نموها المتسارعة التي ميزت كل مرحلة منها بسمات وأصوات خاصة.

ومن خلال متابعة مسيرة الأدب الإماراتي نستطيع رصد خمس مراحل صاغت الأدب الإماراتي ورافقت تطور الدولة الملحوظ في كل مرحلة منها، بحيث أصبح جزءاً مهماً من الهوية الثقافية للدولة والمرآة التي تعكس هذا التطور وتسجله بدقة.

ومن المرحلة الأولى التي تشكلت من الجذور والتراث والأماكن الأولى استمد السرد الإماراتي حضوره من التراث الشفهي الغني والقصص الشعبية التي كانت تنتقل من جيل إلى جيل وكانت الحكايات الشعبية، والأشعار النبطية، والقصص المأخوذة من عمق الصحراء والبحر تمثل الوسيلة الأساسية للتعبير الأدبي والثقافي وكانت هذه القصص والأشعار تعكس صور الحياة اليومية، والمعتقدات، والقيم التي تميز بها المجتمع الإماراتي منذ نشأته.

وتلتها المرحلة الثانية التي نستطيع تسميتها بمرحلة بدايات السرد المكتوب التي انطلقت مع تطور التعليم وتأسيس المؤسسات الثقافية في منتصف القرن العشرين ليبدأ الأدب الإماراتي حينها يأخذ شكلاً مكتوباً، وظهرت أولى المحاولات لكتابة القصص والروايات التي عبرت عن التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها الإمارات. وخلال هذه الفترة، برزت كتابات شعراء وأدباء لا تزال أسمائهم محفورة في تاريخ التطور الأدبي.

وترافقت المرحلة الثالثة مع تأسيس الاتحاد والتحولات الكبرى التي رافقت الطموحات القيادية لحفر أساس الاتحاد على قواعد من العلم والمعرفة، ما جعلته يصبح تغييراً هائلاً وشاملاً، وتطوراً لم يسبق له مثيل وانطلاقة مستقبلية نوعية أدخلت الإمارات مرحلة جديدة من التحديث والبناء بحيث انعكست هذه التغيرات الكبرى بدورها على الأدب بشكل واضح عندما بدأ الأدباء في تناول موضوعات جديدة تتعلق بالهوية الوطنية، والانتماء، والتحولات الاقتصادية والاجتماعية. وفي هذه المرحلة الفاصلة بين الماضي والحاضر برزت أعمال كثيرة ومتنوعة نستطيع القول بأنها من أهم الأعمال الأدبية الإماراتية؛ لأنها تناولت مواضيع تتعلق بالتراث والتحديث والنقلة النوعية التي تحققت كمعجزة.

وفي العقود الأخيرة التي تشكل المرحلة الرابعة شهدت الإمارات انفتاحاً كبيراً على الثقافات العالمية، ما أثر بشكل واضح في الأدب المحلي وبدأ الأدباء في استكشاف موضوعات أكثر تنوعاً ومعالجة قضايا معاصرة مثل العولمة، والهجرة، والتكنولوجيا، وقضايا المرأة ومسيرة النمو، وفي هذه المرحلة أصبحت الرواية الإماراتية أكثر حضوراً وتفاعلاً مع التجارب الشخصية والثقافية التي نقلت واقع التطور وامتزاج الثقافات، لنصل اليوم إلى المرحلة الخامسة التي تأسست مع الأدب الرقمي والمعاصر وولدت من تطور التكنولوجيا وظهور وسائل التواصل الاجتماعي فيشهد معها السرد الإماراتي نقلة نوعية أخرى أصبحت الإنترنت فيه منصة جديدة للتعبير عن الأفكار ونشر الأعمال الأدبية.

ومع ظهور المدوّنات والمواقع الأدبية أصبح للأدب الرقمي حضور قوي، ومعه بدأ الأدباء في تجربة أشكال جديدة من السرد، مثل القصص القصيرة التفاعلية والروايات الرقمية. إن استمرارية التحول والنمو في دولة طموحة تسعى للمستقبل تجعل الأدب الإماراتي هو الآخر في حالة تحول مستمر يعكس الديناميكيات الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تشهدها الدولة وجميع مراحل تطورها التي انطلقت من الجذور والتراث وصولاً إلى الأدب الرقمي المعاصر.

لقد مر السرد الإماراتي بمراحل متعددة شكّلت هويته وأثرت في تطوره ليقف اليوم كمرآة تعكس التغيرات المستمرة في المجتمع، مستمراً في النمو والتطور، ومتطلعاً إلى مستقبل يحمل مزيداً من الإبداع والتنوع.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/27xtct95

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"