هل تسمح بالعودة إلى موضوع تربية الخيال منذ الطفولة؟ لا لأن أينشتاين قال: «إن الخيال أهمّ من المعرفة»، ولكن، لأن كل ميراث المفاهيم عن الخيال يجب أن يتغير جذريّاً. على الأطراف المعنية، الأسرة والمدرسة والمجتمع، أن تدرك أن تنمية الخيال وتربية الإحساس بالجمال وتعزيز الأواصر مع العلوم كروافد جوهرية للخيال، لا تشكل حتى واحداً من الألف من مجموع تراثنا الثقافي. الإهمال الذي منيت به اليد في تاريخنا، كبير. الفيلسوف اليوناني أناكزجوراس قال: «إن الإنسان يفكّر لأنّ له يدين». عند تحليل المقولة، نضيف إلى «يفكّر»: يعزف، يرسم، يخط، ينحت، والمئات في التقنيات والتقانات. غالباً ما ننسى الفنون المتداخلة في الحِرَف، كالنجارة، ألم يكن «ستراديفاري» نجّاراً صنع أرقى وأثمن آلات الكمان «ستراديفاريوس»؟. «حتّة خشب» بملايين الدولارات!
تربية الخيال منذ الصبا تفتح مئة أفق إلى العلوم والتقانات والآداب والفنون، إذا أسّسناها على العلوم. محال العثور على ينابيع للخيال أوسع ثراء من تجليات الفيزياء في الكون والحياة. يسهل إحداث انفجار عظيم في خيال الصغير حين نريه أنه لولا الكون ما كان وجودنا ممكناً. تلك النجوم البعيدة، هي المصانع الأولى لجسمنا، والعبارة ساحرة: «نحن غبار النجوم». أهمّ ستّة عناصر في الجسم هي الهيدروجين، الأوكسجين، الكاربون، النيتروجين، الفوسفور، والكبريت، قبل وجود كوكبنا، صنعت في نجوم أشدّ حرارة من شمسنا بما لا يقاس، وعند انفجارها انتشرت في الفضاءات الكونية، وفي عمليات مماثلة، نشأت نجوم أخرى وهكذا، تجمعت تلك العناصر في كواكب شتى، ومنها أرضنا، وحين ظهرت الحياة في الخلية الأولى، صارت تلك العناصر الستة ضرورة لكل الكائنات الحيّة من المحيطات إلى اليابسة، ارتقاء إلى الإنسان.
أليست هذه ملحمة شعرية؟ قل للطفل ليلاً: لولا تلك النجوم، ما كنت هنا لتتناول عصيرك، وتُسائل مصيرك. عندما نزرع في مهج الصغار بذور الخيال، فإن أشجارها لن تكون كشجرة السيكويا العملاقة الكبرى بين أشجار الأرض، وإنما ستكون جذوعها وأغصانها تقاس بمليارات السنين الضوئية. أحد كبار الفيزياء الفلكية أهدى إلى المربّين صورةً رائعةً: «إن الشمس تشبهنا، فهي طوال مليارات السنين في حياتها، تحافظ على مستوى حرارتها من خلال ضغط خياليّ نحو مركزها، لكن الضغط لا يفجّرها، لأن لها قوّةً معاكسةً خيالية نحو الخارج. بهذا التوازن تستمر حياتها. جسم الإنسان أيضاً يظل طوال حياته محافظاً على حرارته، إذا ارتفعت أو انخفضت اختلّ واعتلّ، وإذا انعدمت، فالوداع.
لزوم ما يلزم: النتيجة الورقية: العلوم هي «جوكر» الخيال، من العلوم إلى المعارف إلى الفنون: «شبّيك، لبّيك».
[email protected]
