الإسترليني في «شارع ثريدنيدل»

22:19 مساء
قراءة 4 دقائق

مايك دولان*
قد يكون من غير الحكمة أن نطلع كثيراً على الرهانات المتقلبة والهامشية على أسعار الفائدة في الأسواق المالية، مثل أول من رفع سعر الفائدة، وآخر من خفضه، وأول من حقق هدف التضخم. لكن في الوقت الحالي، هذا هو المسار الذي يرسمه بنك إنجلترا لسياساته في مواجهة نظرائه من الاقتصادات الرئيسية الكبرى.

إن الجنيه الإسترليني، المتحمس لنتيجة الانتخابات البريطانية الحاسمة، يتقبل هذا التسلسل لأسعار الفائدة أكثر من أي شيء آخر. وربما يكون هذا أحد الأسباب التي قد تدفع بنك إنجلترا إلى استباق السوق بقرار مفصلي الشهر المقبل، على الرغم من أن هناك فرصة بنسبة 50% فقط لفعل ذلك وفق المنحنى النقدي.

وتجاوز الجنيه الإسترليني حاجز ال1.3 مقابل الدولار لأول مرة في عام هذا الأسبوع، وبلغ أعلى مستوى له في عامين مقابل اليورو، والأعلى له في 16 عاماً مقابل الين الياباني المتعثر. كما أن مؤشر الجنيه الإسترليني المرجح بالتجارة الذي يصدره بنك إنجلترا في قمة مستوياته منذ استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2016، مرتفعاً بنحو 13% عن أدناها بعد مهزلة ميزانية الحكومة الكارثية قبل عامين. فهل تكون القوة الضاربة الحالية للجنيه كافية لإجباره على التحرك؟

لقد احتدم النقاش عن مدى تأثير ما يسمى «تمرير سعر الصرف» على التضخم لسنوات، مع الكثير من الآراء المختلفة حول الظروف التي تستدعي ذلك. والمشكلة الرئيسية التي يواجهها بنك إنجلترا اليوم لا تتعلق بأسعار الواردات أو الطاقة المقومة بالدولار، بقدر ما هي مرتبطة بتضخم السلع المحلية المتصاعد.

لكن في المقابل، قد تدفع العملة الأمور إلى الأمام، ليس أقلها إذا كان هناك قلق من أن الظروف المالية في المملكة المتحدة على نطاق أوسع لا تتشدد بشكل مفرط في الوقت الخطأ. كما أن المفاجآت الاقتصادية في البلاد إيجابية بشكل غير عادي في الوقت الحالي، لكن المفاجآت العالمية سلبية في منتصف العام، وقد يلعب سعر الصرف دوراً مؤثراً إذا كان ذلك ينذر بتباطؤ دولي أوسع.

وبصرف النظر عن السياسة النقدية الغريبة لليابان، كان بنك إنجلترا أول مؤسسة بين دول مجموعة السبع يبدأ في رفع كلف الاقتراض إلى ذروة التضخم بعد الوباء في أواخر عام 2021، حيث فعل ذلك مرتين قبل ثلاثة أشهر من بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وراكم 5 نقاط مئوية على سعر الفائدة القريب من الصفر في 20 شهراً.

ورغم قلقه المستمر من مكاسب الأجور السنوية ونمو أسعار الخدمات بما يتجاوز 5%، أصبح بنك إنجلترا هذا العام الأول من بين أقرانه الذي يصل إلى هدف التضخم الرئيسي البالغ 2%، متمسكاً به لشهرين حتى الآن.

ومع ذلك، لا يزال عالم أسواق المال المتوتر يتوقع أن يكون بنك إنجلترا آخر بنك ينفذ أول خفض له لسعر الفائدة، بعد المركزي الأوروبي، والكندي، والبنك المركزي السويسري، والسويدي. حتى إن بعضهم يعتقدون أن البنك المركزي الأوروبي والكندي والسويدي من المرجح أن تخفّض الفائدة مرتين قبل أن تكون «السيدة العجوز في شارع ثريدنيدل» جاهزة للتحرك.

لا شك أن بنك إنجلترا قد يتخلف عن بنك الاحتياطي الفيدرالي بيوم واحد فقط في سبتمبر/أيلول إذا ما تطابقت رهانات أسعار الفائدة مع تلك التوقعات. ولكن حتى في هذه الحالة، لا يزال هناك شك طفيف في أسواق المال في إمكانية اتخاذ البنك قراره في غضون شهرين، في حين تشعر العقود الآجلة بالارتياح لتسعير تحرك الفيدرالي بالكامل. فلماذا هذا الحذر، وهل تحتاج المملكة المتحدة حقاً إلى تأمين جانبي الدورة العالمية؟

لعقود من الزمان، يُنظر إلى بريطانيا على أنها حالة شاذة في ما يخص التضخم، ويرجع هذا جزئياً إلى عدم الاستقرار في عملتها وتأثير ذلك في مثل هذا الاقتصاد المفتوح، إضافة إلى سجل الإنتاجية الضعيف، والسيطرة السياسية على أسعار الفائدة حتى عام 1997.

صحيح أن استقلال المركزي البريطاني بدّل المسار، لكن تعرض المملكة المتحدة المفرط للانهيار المصرفي عام 2008، ثم اضطراب التجارة والاستثمار الناجم عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تسبب في هبوط قيمة الجنيه الإسترليني، حتى ولو كان هذا الانخفاض مخفياً في الأسعار المحلية بسبب التضخم العالمي الخافت على نطاق واسع آنذاك.

لكن تغير كل ذلك اليوم، مع جموح التضخم العالمي بعد كوفيد-19، حيث تجاوزت زيادات الأسعار السنوية في المملكة المتحدة 11% في مرحلة ما، أعلى من الذروة في بلدان أخرى. كما أضافت أخطاء ميزانية الحكومة لعام 2022 تصورات المخاطر المالية والمخاوف بشأن التفكير المشترك بين وزارة الخزانة والبنك المركزي بشأن السيطرة على التضخم، ما أدى إلى تفاقم ضعف البلاد في مواجهة صدمة الطاقة المرتبطة بأوكرانيا.

وبصرف النظر عن ارتفاع الجنيه الإسترليني، يمكن رؤية تبدد خطر التضخم هذا في الأجور والخدمات بشكل أوضح في أسواق السندات الحكومية في المملكة المتحدة؛ حيث تقل علاوة العائد البالغة 150 نقطة أساس على سندات الخزانة البريطانية لمدة خمس سنوات عن نظيراتها الألمانية بنسبة مئوية كاملة عن ذروة انفجار ميزانية 2022.

ولكن على الجانب الآخر، إذا تحول قلق البنك إلى مخاطر البقاء متشدداً للغاية لفترة طويلة، فإن رؤية فجوة حقيقية معدلة حسب التضخم لمدة خمس سنوات مع ألمانيا عند أعلى مستوى لها في 20 عاماً، أمر وارد.

*محرر الأسواق المالية في «رويترز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/asn9ra7s

عن الكاتب

محرر الأسواق المالية في «رويترز»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"