الشارقة: جاكاتي الشيخ
يرى الشاعر والباحث سعيد معتوق أن طبيعة العمل وأجواء الأسرة تستلزم منا اختيار مجال زمني يوائم بين وقت العمل، ومتابعة شؤون الأسرة، فالأوقات المفضلة للقراءة – بالنسبة له – هي الفجر، والظهيرة، وأحياناً قبل النوم، ونظراً لطبيعة عمله في مجال العقارات، فإنه لا يرى للصيف خصوصية لديه، لأنه لا يتمتع بالإجازة السنوية المنظمة كما يحدث مع الموظفين، وإن كانت الإجازات تتيح وقتاً أكثر للقراءة بطبيعة الحال، فهو يستغل أي فرصة فراغ في العمل ليزيد من مستوى قراءته.
ويتحدث معتوق عن نوع الكتب التي يقرأها، فيقول: «أعتقد أن طبيعة الاختلاف في الحياة تجعلنا نجد بين الناس من يفضل قراءة الكتب الأدبية، ومن يفضل غيرها، ولكوني شاعراً، فإنني أكثر من قراءة الشعر ونقده؛ قديمه وحديثه، لأن توقف الشاعر عن قراءة الشعر قد يتسبب – مع مرور الوقت – بتراجع مستواه، كما أن تنوع القراءة مفيد بالنسبة للشاعر، حيث يرفد تجربته بمفردات جديدة ودلالات عميقة، حتى تتسّع آفاقه اللغوية، ليتمكن مِن صياغة كل ما يريده بقصيدته من دون مواجهة أية صعوبات».
*مختارات
ويعتبر معتوق أن هناك الكثير من الكتب التي تستحق من القراء تخصيص وقت أكبر في الإجازة الصيفية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: كتاب «العمدة في صناعة الشعر ونقده»، لابن رشيق القيرواني، فهو كتاب نفيس، جمع أحسن ما قيل في معاني الشعر، ومحاسنه، ويدخل في دائرة اهتمام الباحثين في مجال اللغة العربية وبعض تخصصاتها، مثل البلاغة اللغوية، والأدب العربي، والشعر والنثر، وغيرها من الموضوعات اللغوية المشابهة، كما تتجلى قيمته النقدية في الموضوعات التي اختارها مؤلفه، حيث كان معظمها في نقد الشعر العربي، وبنيته وتاريخه، وما يتصل به من مباحث الوزن والقافية، والصور الفنية، واللفظ والمعنى، ورغم أنه جمع أقوال السابقين في الشعر والبلاغة والنقد؛ إلا أن مؤلفه جاء فيه بإضافات جديدة، تدل على غزارة علمه، ودقة فهمه، وسلامة ذوقه الأدبي، فكان الكتاب نقطة انطلاق مهمة للمعنيين بالدراسات النقدية العربية على أسس بلاغية، وحظي بانتشار واسع، وقبول غير مسبوق في مجاله، وقد امتدحه العديد من العلماء والباحثين كابن خلدون الذي قال عنه: «إن كتاب العمدة هو الكتاب الذي انفرد بهذه الصناعة وأعطاها حقها، ولم يكتب فيها أحد قبله ولا بعده مثله».
أما الكتاب الثاني الذي يوصي بقراءته فهو كتاب «سيرة النبي الأمين» للكاتبة سارة الجروان الكعبي، التي يمتاز أسلوبها فيه بالمعاصرة، إذ اعتمدت أسلوب السرد الروائي الذي تتوزع عناصره؛ من شخصيات ومكان وزمان، لتشكل ذروة الحدث واتجاهه إلى الخاتمة، مع استخدام اللغة الأدبية القادرة على حمل رسالة العمل وإيصالها إلى القارئ بمنتهى الوضوح، فرغم اعتمادها الأسلوب الأدبي؛ استطاعت الكاتبة أن تحافظ على الدقة التاريخية في ما تنقله الرواية من معلومات، نظراً لقداسة الشخصيات وحساسية المرحلة الزمنية التي تتناولها، كما أنها لم تخرج عمّا نقلته كتب التراث الموثوقة في تقديمها للأحداث التي شملت مفاصل تاريخية، وردت من طرف كُتّاب السيرة النبوية، ومن لحق بهم من علماء الفقه والحديث، بالتفصيل والتحليل المعمقين، فهو – بحق - عمل موسوعي بجميع المقاييس، ويعكس مجهوداً عظيماً قدمته الكاتبة طيلة عدة سنوات، وعادت خلاله إلى عدد كبير من المراجع وأمهات الكتب، ليخرج العمل على أكمل صورة، فيعيد قراءة السيرة النبوية، بما يلائم الأجيال التي لم تتمكن من الاطلاع عليها في مظانها التراثية، والتي تحتاج أسلوباً جديداً في مخاطبتها وتقريبها من التراث الإسلامي بشكل عام.
كما يوصي معتوق بقراءة دواوين شِعر الدكتور مانع سعيد العتيبة، التي يرى أنها تحتوي على قصائد مؤنسة، لأنها صيغت بلغة حديثة، بسيطة في سلاستها وعميقة في دلالاتها، أو ما اصطلح على تسميته (السهل الممتنع)، وتتميز بصدق العاطفة، وسعة الخيال، ودقة التصوير، وحسن السبك، ومتانة الوحدة العضوية، وتتمتع بالكثير من الخصائص الفنية والأسلوبية للصورة الشعرية الآسرة، فلذلك، سيجد فيها القارئ الكثير من المتعة والجمال.
*حافز
ويوصي سعيد معتوق القرّاء بالإكثار من القراءة، بخاصة في أوقات الإجازة والفراغات، لما تمثّله الكتب من أهمية في تطوير حياتنا، ويتوجّه بشكل أخص إلى الشباب، وذوي المواهب الصاعدة الذين يؤكد على ضرورة إكثارهم من قراءة الكتب التي تعزز إحاطتهم بمجالاتهم، وتُحفز قدراتهم الإبداعية، فمثلاً، على الذي يرغب في أن يصبح روائياً حقيقياً أن يكثر من قراءة الروايات الجيدة، كما أن على الشاعر أن يكثر مِن القراءة للشعراء المبدعين، فقد مر كل المبدعين الكبار بتلك المرحلة، ولم يتطوروا إلا بفضل القراءة المكثفة، حيث لا يكتفون من الخوض في بحارها طيلة حياتهم، فدرب المبدع للوصول إلى مرحلة رؤيته الأدبية الخاصة طويلٌ، وهو ما يتطلب منه الاجتهاد والصبر على تطوير نفسه بشكل يومي.
