العراق.. حكومة جديدة وأولويات قديمة

02:29 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. أحمد سيد أحمد *

أخيراً، وبعد مرور أكثر من خمسة أشهر على الانتخابات العراقية، وبعد شد وجذب من الكتل والأحزاب السياسية التقليدية، خرجت الحكومة العراقية إلى النور، بعد ولادة عسيرة، حيث منح البرلمان العراقي الثقة لحكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، رغم أن الحكومة العراقية لم يكتمل تشكيلها بعد، حيث وافق البرلمان على 18 وزيراً، من أصل 22، وبقيت ستة مقاعد شاغرة أغلبهما من الوزارات السيادية، مثل الدفاع، والداخلية، والعدل، إضافة إلى الثقافة، نتيجة قيام رئيس الوزراء المكلف بحجب أسمائهم عن التصويت بعد رفض النواب لهذه الأسماء، والمطالبة بفحص سيرتهم الذاتية أولاً، ومراعاة اعتبارات المساءلة والنزاهة. وقد أدى ذلك إلى قيام رئيس الوزراء بتولي حقيبتي الدفاع والداخلية بالوكالة.
الحكومة العراقية الجديدة، وإن بدت في ظاهرها أنها حكومة تكنوقراط من الكفاءات والشخصيات التي لم تتول مناصب في السابق، إلا أنها في باطنها تمثل امتداداً لسياسة المحاصصة الطائفية، حيث تقاسمت كتلتا الإصلاح والبناء عدد الوزراء، وحصل السنة على أربعة وزراء والأكراد ثلاثة وزراء، أبرزهم فؤاد حسين وزير المالية المقرب من مسعود البرزاني، رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، كما أن كتلة سائرون كانت أبرز الفائزين في تشكيل الحكومة وحظيت بأربعة وزراء في التشكيلة الجديدة.
الحكومة الجديدة تواجه أولويات قديمة عدة، تمثل تحديات واختباراً حقيقياً لها خلال الفترة المقبلة وسط تركة ثقيلة موروثة، ليست من الحكومة السابقة فقط، بقيادة حيدر العبادي، وإنما من الحكومات العراقية السابقة، وتتمثل تلك التحديات والأولويات في:
أولاً: تحديات اقتصادية: ويتمثل أبرزها في إصلاح بنية وهيكل الاقتصاد العراقي في ظل الصعوبات الكبيرة التي واجهته في السنوات الماضية، وترتب عليها ضعف الميزانية المخصصة للخدمات الأساسية، وارتفاع معدلات البطالة التي وصلت إلى 30% بين الشباب في العديد من المحافظات العراقية، وتهالك البنية الأساسية العراقية، وقد كشفت أزمة البصرة والاحتجاجات العنيفة التي شهدتها في الأشهر الماضية عن هشاشة البنية الأساسية العراقية، وانعدام الخدمات الأساسية من مياه نظيفة، حيث تعرض أكثر من 100 ألف شخص في البصرة فقط، لحالات تسمم بسبب المياه غير النظيفة نتيجة لانتشار المخلفات في الأنهار، وكذلك مشكلة الكهرباء وانقطاعها أغلب فترات اليوم، حيث لا يمتلك العراق شبكة كهرباء منذ عام 2003، إضافة إلى تدني مستوى الخدمات الأخرى كالتعليم والصحة، وكان ذلك التردي سبباً في غضب الشارع العراقي على الحكومات السابقة، ومنها حكومة حيدر العبادي، وانعكس ذلك في ضعف نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية لأدنى مستوى لها حيث وصلت إلى 44%. ولذلك فإن أبرز أولويات حكومة عادل عبد المهدي هي إصلاح البنية الأساسية وتقديم الخدمات العاجلة للشعب العراقي من مياه نظيفة، وإصلاح شبكة الكهرباء، وهي تحتاج إلى أموال ضخمة، وإلى تعديل الميزانية الحالية التي أقرتها حكومة العبادي لعامي 2018-2019، وربما يكون ارتفاع أسعار النفط لما يقارب 80 دولاراً للبرميل أحد الأمور الإيجابية التي تدعم خطط المهدي الاقتصادية، خاصة مع استئناف تصدير كامل النفط العراقي البالغ 4 ملايين برميل يومياً.
كما ترتبط بالتحديات الاقتصادية محاربة الفساد الإداري والسياسي المستشري في العراق منذ الغزو الأمريكي، ووضع العراق في مرتبة متدنية في تصنيف منظمة الشفافية العالمية، وارتبط ذلك الفساد بالنخبة السياسية والاستفادة من المنصب كغنيمة، وليس كتكليف لخدمة المصلحة العامة، كما ارتبط بعمليات إعادة الإعمار وإسنادها لشركات خاصة برزت فيها عمليات الفساد، وتبرز أولوية إعادة الإعمار، وإعادة اللاجئين والمهجرين والنازحين في المخيمات لأكثر من مليوني عراقي، نتيجة الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي، إحدى الأولويات الأساسية العاجلة أمام حكومة المهدي في ظل معاناة هؤلاء النازحين، وبطء عمليات إعادة الإعمار، وإصلاح البنية الأساسية، خاصة في المحافظات السنية مثل الأنبار ونينوى وصلاح الدين والرمادي، وهذه التحديات تتطلب خططاً جديدة ذات كفاءة في توظيف موارد العراق من أجل إصلاح الوضع الاقتصادي وتدهور مستوى معيشة الشعب العراقي في كل المحافظات.
ثانياً: تحديات أمنية: وترتبط بشكل أساسي بأولوية إعادة الأمن والأمان والاستقرار في العراق، في ظل استمرار عمليات العنف والتفجير التي تقوم بها بقايا تنظيم «داعش» من الخلايا النائمة في الكثير من المناطق والتي برزت في التفجيرات العديدة التي شهدتها المدن العراقية في بغداد، وكركوك، والموصل، وغيرها، إضافة إلى ارتفاع معدلات قتل النساء العراقيات، وغيرها من حالات غياب الأمن، وهو أمر يتطلب جهوداً كبيرة من حكومة المهدي لتحقيق الأمان للعراقيين، ولتحقيق الاستقرار الأمني لجذب الاستثمارات الأجنبية، وهذا يتطلب أيضاً مواجهة تحدي انتشار السلاح في أيدي أطراف وميليشيات عدة، وحصرها بيد الدولة فقط، وإعادة هيكلة أجهزة الأمن العراقية لتكون قادرة على بسط سيطرتها على الأوضاع في الداخل، وحماية الحدود العراقية ضد التهديدات الخارجية ولمنع تنظيم «داعش» من الظهور والعودة مستقبلاً.
ثالثاً: تحديات سياسية واجتماعية: وتتمثل في إنهاء المحاصصة الطائفية، وإعادة هيكلة العملية السياسية لترتكز على المواطنة التي تساوي بين جميع العراقيين، في الحقوق والواجبات، كذلك تحدي إنهاء حالة الاستقطاب السياسي الحادة بين الكتل والنخب السياسية التي أفرزتها الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وإيجاد حالة من التوافق بين النخبة السياسية، من أجل دعم الحكومة الجديدة في مواجهة التحديات التي يواجهها العراق، ولعل ضعف النخبة السياسية الحالية، وتراجع شعبيتها، مع تزايد غضب الشارع العراقي ضدها، ودعم المرجعيات الدينية للحكومة الجديدة، تمثل هامشاً كبيراً أمام المهدي للتحرر من ضغوط الكتل والأحزاب السياسية، ويحد من نفوذها، سواء في فرض الوزراء، أو توجيه سير عمل الحكومة، خاصة أن حكومة المهدى تحظى بتأييد الكتل السياسية والقوى الإقليمية والدولية، ويعلق الشارع العراقي عليها آمالاً كبيرة، كما أن هناك تحدي إعادة اللحمة إلى النسيج العراقي، ومعالجة الشروخ التي نجمت عن حرب «داعش»، وعن استفتاء استقلال إقليم كردستان، وإيجاد علاقة شراكة حقيقية بين المكونات العراقية المختلفة من الشيعة، والسنة، والأكراد، في إطار عراقي موحد ومستقر، ومزدهر، إضافة إلى تحدي إعادة بناء علاقات العراق الخارجية مع كل القوى، في إطار من الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون العراقية وإعادة العراق إلى بيته العربي.
الحكومة الجديدة لديها تركة ثقيلة وتحديات كبيرة وتنعقد عليها الآمال في إخراج العراق من أزمته ومحنته، وهي مهمة تتطلب ضرورة تكاتف جميع العراقيين خاصة النخب السياسية في دعمها والالتفاف حولها في إطار أجندة وطنية عراقية، من أجل مواجهة التحديات القديمة المستمرة.
* خبير العلاقات الدولية في الأهرام

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"