استقالة سلامة..فشل أم هرب من اللغم الليبي؟

02:13 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. أحمد سيد أحمد *

أعلن مبعوث الأمم المتحدة لدى ليبيا، الدكتور غسان سلامة، استقالته من مهمته، في تغريدة له على «تويتر» يوم الاثنين الثاني من مارس، آذار، وأرجع سلامة الاستقالة إلى الإجهاد وتراجع حالته الصحية؛ لكنها في حقيقتها تثير التساؤلات حول أسبابها الحقيقية وتداعياتها على الأزمة.
استقالة سلامة، عكست في حقيقتها تعقيدات المشهد الليبي الذي لا يزال يراوح مكانه دون حدوث أية حلحلة على مساراته السياسية والعسكرية، وعكست أيضاً حجم الضغوط والتحديات التي واجهها المبعوث الأممي لدى ليبيا، وعدم قدرته على إحداث أي تقدم ملموس. فقد انعقد مؤتمر برلين، وخرج بتوصيات، ورسم مسارات عديدة؛ أبرزها: المسار العسكري بتشكيل لجنة من عشرة أشخاص من طرفي الأزمة، (الجيش الوطني الليبي وحكومة الوفاق)؛ للبحث في تثبيت وقف إطلاق النار، وتحويل الهدنة التي رعتها روسيا وتركيا إلى اتفاق دائم، واجتمعت أكثر من مرة في جنيف، ولكن ليس بشكل مباشر؛ حيث اجتمع سلامة بكل وفد على حدة؛ لكن هذا المسار العسكري واجه تحديات كبيرة، في ظل وجود ألغام حالت دون تحقيق اختراق جوهري في تلك المباحثات، وعلى رأسها قضية أسلحة الميليشيات المسلحة، التابعة لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، التي تسيطر على العاصمة طرابلس، وبعض مدن الغرب.

سلاح الميليشيات

فالمبعوث الأممي غسان سلامة لم يستطع الضغط أو إقناع حكومة الوفاق بنزع أسلحة الميليشيات وتفكيكها كشرط مسبق لإنجاح المفاوضات، بينما أصر الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر على ضرورة تفكيك هذه الميليشيات، ونزع أسلحتها، باعتبار أن استمرارها في حد ذاته يمثل تناقضاً مع مفهوم الدولة الوطنية، القائمة على وجود مؤسسات شرعية وطنية موحدة؛ مثل: الجيش والشرطة، وتحتكر هي فقط السلاح؛ لاستخدامه في الدفاع عن مصالح الدول العليا، وحماية حدود البلاد ضد أية اعتداءات خارجية، كذلك فرض القانون والنظام في الداخل ومحاربة الإرهاب وتسلل الجماعات والتنظيمات المسلحة عبر الحدود، كذلك مواجهة الهجرة غير المشروعة وغيرها من المهام التي تقوم بها الأجهزة الأمنية الشرعية في الدول الوطنية، بينما تتبنى هذه الميليشيات المسلحة توجهات سياسية ودينية وحزبية ضيقة، وتعبّر عن مصالحها وأجنداتها على حساب المصلحة الوطنية العليا، إضافة إلى أنها تستخدم كأدوات؛ للتعبير عن تنفيذ أجندات ومصالح قوى إقليمية ودولية؛ لتحقيق أهداف سياسية وأمنية واقتصادية في داخل الدولة، ولذلك تتلقى هذه الميليشيات المسلحة العديد من أشكال الدعم المالي والمادي والعسكري والإعلامي والاستخباراتي من تركيا وقطر.
وبالتالي أحد الإشكاليات التي لم يستطع المبعوث الدولي، غسان سلامة، التعامل معها هو ظاهرة الميليشيات المسلحة في طرابلس، وعلى عكس التصريحات المتفائلة التي أدلى بها غسان سلامة حول إحراز تقدم على مسار مفاوضات اللجنة العسكرية المشتركة، إلا أنه على أرض الواقع لم يحدث أي تقدم؛ حيث استمرت انتهاكات الميليشيات المسلحة في العاصمة ومدن الغرب للهدنة المبرمة، في ظل عدم وجود ضمانات حقيقية لتنفيذ الهدنة ومراقبتها، إضافة إلى تعدد تلك الميليشيات وصعوبة السيطرة عليها، ومن ثم تعثر المسار العسكري، مما أوجد إحباطاً لدى غسان سلامة، الذي اتهمه البعض بالانحياز لحكومة الوفاق والميليشيات التابعة لها في عدم وضع آليات محددة لنزع أسلحتها.

التدخلات الخارجية

غسان سلامة، الذي بدأ عمله في يونيو/حزيران عام 2017 وعلى مدار ثلاث سنوات لم ينجح أيضاً في تحقيق أي اختراق حقيقي على المسار السياسي للأزمة الليبية، فعلى الرغم من أنه دعا إلى الحوار الليبي- الليبي أكثر من مرة، فإن المسار السياسي للأزمة تعثر أيضاً لأسباب عديدة أبرزها: عدم حل القضايا الأمنية؛ وتعثر المسار العسكري، فالمشكلة في ليبيا أمنية، وليست سياسية تتمثل في ضرورة تفكيك الميليشيات، ونزع أسلحتها أولاً كشرط ضروري لإنجاح المسار السياسي. كذلك التدخلات الخارجية المتزايدة، خاصة التدخلات التركية ودعم ميليشيات طرابلس ومصراتة، وتزويدها بالأسلحة الثقيلة والطائرات المُسيّرة وغيرها، وبالخبراء العسكريين؛ بل وإرسال قوات تركية للعاصمة، وكذلك إرسال المرتزقة والعناصر الإرهابية ونقلها من سوريا إلى ليبيا؛ للقتال إلى جانب حكومة الوفاق، وهو ما كشفه المبعوث الدولي، وفي الوقت الذي كانت فيه العديد من الدول التي شاركت في مؤتمر برلين، وعلى رأسها تركيا تعلن التزامها بمخرجات المؤتمر، وعدم تزويد الأطراف الليبية بالأسلحة والالتزام بقرارات مجلس الأمن، خاصة القرار 1970 لعام 2011، إلا أن بعض هذه الدول، وفي مقدمتها تركيا لم تلتزم بذلك، وهو أيضاً ما سبب إحباطاً لدى المبعوث الدولي، في ظل تعدد الأطراف والتدخلات في الأزمة الليبية وتفاعلاتها، مما زاد من حدة الاستقطاب الداخلي، وزاد من تعقيدات الأزمة، وبالتالي وجد المبعوث الدولي غسان سلامة نفسه أمام حائط مسدود، وأنه لن يستطيع الاستمرار في معالجة ملف الأزمة الليبية، وإحداث اختراق حقيقي فيها، خاصة مع تزايد الضغوط الخارجية عليه.

تداعيات سلبية

استقالة سلامة ستؤدي إلى العديد من التداعيات السلبية، أبرزها أن المفاوضات بين الأطراف الليبية ستتجمد إلى حين تعيين بديل له؛ حيث من المتوقع أن تتولى نائبته الأمريكية ستيفاني ويليامز رئاسة البعثة الأممية إلى ليبيا؛ لكنها لن تستطيع تعويض الفراغ الذي سيتركه سلامة الذي كانت لديه خبرة كبيرة في الأزمة الليبية، إضافة إلى خبراته من العراق والحرب الأهلية اللبنانية، وتواصله مع جميع الأطراف الليبية باللغة العربية؛ لكن مع ذلك فإن المشكلة ليست في تعيين مبعوث أممي جديد إلى ليبيا؛ حيث شهدت ليبيا تعيين ستة مبعوثين، وإنما المشكلة الحقيقية هي في ثلاثة أمور، الأول: غياب توافق ليبي- ليبي حول الحل السياسي، وتقرير مستقبل البلاد، ووضع خريطة طريق تحدد الخطوات المقبلة، وعلى رأسها كتابة دستور جديد، وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وإعادة بناء مؤسسات الدولة؛ حيث لا تزال حالة الانقسام الداخلي بين الأطراف الليبية التي تغذيها الأطراف الخارجية، والثاني: مشكلة التدخلات الخارجية، التي تزيد من تعقيد الأزمة، خاصة التدخلات التركية، وعدم وجود توافق بين القوى والدول المؤثرة في الأزمة الليبية، وعدم التزامها بقرارات الأمم المتحدة، خاصة فيما يتعلق بحظر الأسلحة إلى ليبيا، والثالث: هو استمرار الميليشيات المسلحة المسيطرة على العاصمة، وبعض مدن الغرب الليبي، التي يمثل وجودها وأسلحتها لغماً أمام أي تسوية سياسية حقيقية.
ولذلك فإن استقالة سلامة، تكشف عن حجم التعقيدات الكبيرة للأزمة الليبية، وتعني استمرار حالة اللاحل والدوران في الحلقة المفرغة، وهو أمر لن يتم الخروج منه بتعيين مبعوث جديد، وإنما بمعالجة جذرية وحقيقية للأزمة الليبية.

*خبير العلاقات الدولية في «الأهرام»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"