«بريكست».. أبغض الحلال

03:51 صباحا
قراءة 5 دقائق
بهاء محمود

بعد مفاوضات شاقة طويلة، صادق الزعماء الأوروبيون على وثيقة اتفاق «بريكست»، التي تحدد الفترة الانتقالية بين الجانبين الأوروبي والبريطاني، مراعية الأحكام الأساسية التي تنظم آلية الخروج وليس العلاقات المستقبلية، في ضوء فترة انتقالية قد تمتد إلى 2022.
بعد استفتاء 2016 بدأت المفاوضات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي حول اتفاق «الخروج» الذي يوضح كيف سيتم الخروج، وطرحت تيريزا ماي عدة أطروحات خلال العامين الماضيين، حتى جاء الاتفاق الحالي متضمناً نقاطاً رئيسية، أهمها دفع بريطانيا 39 مليار جنيه إسترليني للاتحاد الأوروبي لتغطية الفاتورة المالية، وتستمر الفترة الانتقالية بين 29 مارس/ آذار عام 2019 و31 ديسمبر/ كانون الأول عام 2020 ولن تشهد تغييرات كبيرة في شكل العلاقة الحالي، مع منح فرصة للمؤسسات التجارية بتعديل وضعها، فيما سيظل من حق مواطني الاتحاد الأوروبي وأسرهم الانتقال لبريطانيا بحرية قبل 31 ديسمبر/ كانون الأول عام 2020، حيث يسمح لبريطانيا بالوصول إلى أسواق البلدان ال27 المتبقية في الاتحاد الأوروبي، مع احترام قواعد حرية حركة السلع ورؤوس الأموال والخدمات والعمالة، فيما تفقد الحكومة البريطانية حق التصويت على أي قرارات تتخذها الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، سواء في المفوضية الأوروبية أو المجلس الأوروبي والبرلمان الأوروبي، كما يحافظ مشروع الاتفاق على حقوق المواطنين الذين يعيشون في بريطانيا والبريطانيين المقيمين في الاتحاد الأوروبي، حيث يمكن لمواطني الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وأسرهم، الاستمرار في العيش أو العمل أو الدراسة من خلال التمتع بالمعاملة المتساوية للمواطنين المستضيفين بموجب القوانين ذات الصلة، محتفظين بحقهم في الرعاية الصحية والمعاشات التقاعدية وغيرها من مزايا الضمان الاجتماعي.
وبالنسبة لأيرلندا الشمالية لا تريد بريطانيا ولا الاتحاد الأوروبي حدودا بين أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا، لذلك نص الاتفاق على حواجز إلكترونية تستخدم فيها آليات تكنولوجية لضبط الحدود دون إحداث نزاعات، كون مسألة أيرلندا الشمالية من أبرز النقاط الشائكة على خلفية النزاعات المسلحة التاريخية داخل أيرلندا الشمالية والصراع مع بريطانيا على الاستقلال.
داخل الحكومة الأيرلندية لا توجد رغبة في فرض سيطرتها على أيرلندا الشمالية، كون التكاليف الاقتصادية الصعبة وعدم الاستقرار السياسي المرتبط بأي تغيير في الوضع الراهن يتخطى طموحات أيرلندا الموحدة، وبالنسبة لحليف تيريزا ماي في أيرلندا الشمالية، الحزب الوحدوي الديمقراطي، والداعم الرئيسي لحكومة ماي في البرلمان، يرفض الاتفاق، حيث صرحت رئيسة الحزب «أرلين فوستر» بأن «اتفاق (الثقة والدعم) لا يزال سارياً»، في إشارة إلى توافق حزبها على دعم حكومة ماي، في مقابل زيادة مبدئية في موازنة بلفاست التي تبلغ مليار جنيه إسترليني، موضحة موقفها المقايض قائلة «إذا بلغنا وضعاً وافق فيه البرلمان على دعم الاتفاق، سنُضطر بوضوح إلى مراجعة اتفاق الثقة والدعم. أعتقد بوجوب أن نستغلّ الوقت للبحث عن طريق ثالث، مختلف وأفضل»، مع توضيح غضب الحزب من خطة «شبكة أمان»، التي يخشى أن توجد حدوداً مع بريطانيا.
وضماناً لتداعيات «بريكست» الخارجية، هدفت الاتفاقية إلى ضمان عدم تعطيل أو فقدان حقوق 11000 مدني قبرصي يعيشون ويعملون في مناطق القواعد العسكرية البريطانية ذات السيادة في قبرص، وتماشيا وخوفا من التهديدات الإسبانية بعرقلة الاتفاق، استجابت تيريزا ماي للمطالبات الإسبانية بمشاركة بريطانيا الحكم في جبل طارق، حيث نصت الاتفاقية على التعاون الإسباني- البريطاني في مجالات حقوق المواطنين والمسائل التجارية مثل التبغ والمنتجات الأخرى وقضايا البيئة والأمن والجمارك، وفي المجمل تريد إسبانيا عدم ترتيب أي علاقة مستقبلية على جبل طارق إلا إذا أعطت مدريد موافقتها السياسية، خاصة أن المادة (184) من مسودة اتفاقية الخروج تنص عل أن هناك مفاوضات لتحديد العلاقة المستقبلية بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، التي لم تذكر قضية جبل طارق، ما أقلق السلطات الإسبانية، التي حرصت على التوصل إلى اتفاق يخضع لترتيب ثنائي منفصل بين المملكة المتحدة وإسبانيا، بدلاً من جعلها مطوية في ثنايا الاتفاقية الحالية.
وبالنسبة لفرنسا التي تربطها حدود مائية، برزت مسائل الصيد أول اهتماماتها، وشاركتها الدنمارك نفس الاهتمام، حيث جاء الإعلان غامضا فيما يتعلق بالوصول إلى المياه الإقليمية، كون نص الاتفاق لم يحدد كيفية الوصول للمياه الإقليمية وحرية الصيد، بل حث الأطراف المعنية على أن تنشئ اتفاقية جديدة لمصايد الأسماك، في سياق الشراكة الاقتصادية الشاملة، من جانبها لم تبد الحكومة التزاما نهائيا، معلنة أن «الأطراف سوف تبذل قصارى جهدها لإبرام اتفاقية مصايد الأسماك الجديدة والتصديق عليها بحلول 1 يوليو/تموز 2020».
فيما يتعلق بالجزء الأمني والسياسات الدفاعية غابت أطر مهمة، أولها موقف بريطانيا من الجيش الأوروبي الموحد الذي طالما رفضته، وأصبح الآن حاجة ملحة لأمن أوروبا وسط التهديدات الأمريكية والتغلغل الروسي، وبدا المستقبل هنا غير واضح، فقط الحديث عن تعاون في العلاقات الأمنية، ومن هنا جاءت مخاوف مدريد بعد «بريكست» متعلقة بعمليات التهريب والأمن، وبالطبع نفس المخاوف في أيرلندا الشمالية.
والسؤال الأهم الذي يواجه الاتحاد الأوروبي وبريطانيا الآن، هو قدرة حكومة الأقلية بقيادة ماي على إتمام الصفقة، رغم المعارضة الشديدة للصفقة داخل البرلمان البريطاني سواء من مؤيدي أو معارضي الخروج من الاتحاد، فمبدئيا تواجه ماي تهديدًا بتصويت على حجب الثقة من قبل نواب حزبها المحافظين، وكي تنجح خطة سحب الثقة لا بد من تقديم 48 نائبا رسائل للجنة «1922»، وحتى الآن وضحت التسريبات بتقدم معارضي ماي، وبلغ عدد من قدموا رسائل حوالي 42 نائبا، ويتبقى 6 نواب فقط، وفي حال الوصول ل48 نائبًا من أصل 315، يمكن التصويت على سحب الثقة.
المعضلة الأساسية هنا أنه لا توجد أغلبية واضحة تؤيد الاتفاق الذي اقترحته ماي، كما أنه لا توجد أغلبية ظاهرة في أي اتفاق سيكون الاتحاد الأوروبي مستعدًا للموافقة عليه، ووفقا للقانون البريطاني فإنه سيتم تطبيق «بريكست» بعد موافقة البرلمان، المتوقع عقده يومي 10 أو 11 ديسمبر/كانون الأول، وتعتمد رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي على 10 أصوات من الحزب الديمقراطي الوحدوي لتحقيق الأغلبية في مجلس العموم، وتحتاج ماي إلى 320 صوتا في مجلس العموم لتمرير الاتفاق، مع العلم أن 10 أصوات من الحزب الديمقراطي الوحدوي ضد الاتفاق، 58 نائبا من حزب المحافظين يؤيدون «بريكست»، لكنهم يرفضون الاتفاق، 14 نائبا من حزب المحافظين ضد «بريكست»، ويطالبون بإجراء استفتاء ثان على الخروج، 15 نائبا متمردا من حزب العمال يؤيدون «بريكست»، ومجموعة أخرى قد تصوت لصالح الاتفاقية خوفا من البديل الآخر، وهو الخروج دون اتفاق، ما يعني أن هذا العدد لا يكفي لتنجح ماي في تمرير الاتفاق، فضلاً على أن 7 نواب مؤيدين ل«بريكست» استقالوا من الحكومة أو الحزب في 15 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
وإجمالاً في حالة رفض البرلمان البريطاني اتفاقية الخروج فإن هناك أربعة احتمالات رئيسية، أولها: إما إجراء استفتاء ثان في بريطانيا، أو إجراء انتخابات جديدة مبكرة ليحل رئيس وزراء جديد محل ماي، أو العودة إلى بروكسل لمحاولة التفاوض من جديد بشأن العرض، والاحتمال الرابع أن تخرج بريطانيا من الاتحاد في 29 مارس/آذار دون اتفاق قانوني.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"