«كورونا».. الصين إذا عطست

04:00 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. محمد فراج أبو النور *

الرعب يجتاح العالم منذ أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي؛ بسبب فيروس «كورونا»؛ (كوفيد- 19) الذي ظهر للمرة الأولى في مدينة «ووهان» الصناعية الكبرى جنوب شرقي الصين، ليتحول بسرعة إلى وباء ينتشر في مختلف أنحاء البلاد، ثم لينتشر في عشرات دول العالم (56 بلداً حتى صباح الاثنين 2 مارس/آذار)، ويصيب أكثر من ثمانين ألف شخص من مختلف قارات العالم، ويقتل أكثر من ثلاثة آلاف خلال شهرين، أغلبيتهم الساحقة في الصين؛ حيث أصاب الوباء أكثر من 79 ألف إنسان، توفي من بينهم أكثر من (2900).
ساعد على انتشار الوباء بسرعة في الصين، أنه ظهر عشية أعياد رأس السنة القمرية، وعطلتها التي ينتهزها الصينيون كفرصة للسياحة والسفر.
ونظراً للعلاقات الاقتصادية الواسعة التي تربط الصين بكل بلاد العالم تقريباً، ولسفر ملايين رجال الأعمال والتجار منها وإليها سنوياً؛ فقد كان بدهياً أن ينتشر الوباء على هذا النطاق الواسع في عشرات البلدان، خاصة أن الفيروس المسبب له شديد العدوى والانتشار، حتى إن من بين قرابة الثمانين ألفاً المسجلة إصابتهم به في الصين، نحو ثلاثة آلاف من العاملين الطبيين القائمين على مكافحته.
ويجب القول: إن فيروس «كورونا»؛ (كوفيد- 19) ليس بدرجة شراسة أوبئة فيروسية أخرى ظهرت في الصين، وانتشرت منها إلى الخارج؛ مثل: فيروس «سارس» (الذي انتشر عام 2002، وكانت نسبة الوفيات بين المصابين به نحو 10%) أو فيروس «ميرس» (الذي انتشر عام 2012، وكانت نسبة الوفيات بين المصابين به 35% وهي نسبة مفزعة للغاية).. بينما بلغت نسبة الوفيات؛ بسبب «كورونا» في الصين حتى الآن نحو (4%)- (ثلاثة آلاف تقريباً من 80 ألفاً)، إلا أن الرعب الذي سببه «كورونا» يرجع أساساً إلى كونه شديد العدوى، وسريع الانتشار.

الإعلام الغربي وإثارة الفزع

وبدهي أنه لا يمكن التقليل من خطورة أي وباء، خصوصاً إذا كان يتسبب في وفاة أعداد كبيرة من البشر، إلا أن من الضروري القول إن الإعلام الأمريكي «والغربي عموماً» لعبا دوراً كبير
اً في إثارة الفزع من «كورونا» على نطاق واسع، وبتركيز شديد، وهو أمر لا يمكن فصله عن الحرب التجارية الأمريكية- الصينية المشتعلة، والمنافسة التجارية المحتدمة بين الصين من جهة والولايات المتحدة والدول الغربية الكبرى من جهة أخرى، وما يرتبط بذلك من تصاعد للتوتر السياسي «والعسكري أحياناً» وتحديداً الأمريكي والأطلسي ضد الصين أساساً، وروسيا باعتبارهما تمثلان الخطر الأكبر على الأمن القومي الأمريكي والأطلسي.
ويجب أن نضيف هنا أيضاً، الادعاء الذي تم التركيز عليه بشدة في بداية انتشار الوباء، بأنه يرجع إلى انتشار عادة أكل الصينيين للخفافيش و«كل ما يتحرك» باعتباره السبب في ظهور الوباء، بدعوى أن الخفافيش هي مصدر فيروس «كورونا»، وهي فرضية لم يتم إثباتها علمياً، ومع ذلك تعامل معها الإعلام الغربي، ون
شرها باعتبارها حقيقة ثابتة، والهدف واضح وهو تقديم صورة عن الصينيين، بأنهم من الشعوب «المقرفة» وغير المتحضرة، وأن الشعب الصيني لديه عادات تجلب عليه، وعلى البشرية، الكوارث والأوبئة! وهي دعوى تفوح برائحة العنصرية.

خسائر صينية بالجملة

جاء انتشار وباء «كورونا» في الصين، ومنها إلى العالم، بنتائج كارثية على الاقتصاد الصيني، فقد تم إغلاق مدينة «ووهان» الصناعية الكبرى إلى جانب مدن أخرى، كما تم فرض حظر للتجوال فيها، والانتقال فيما بينها لعدة أسابيع، وبالتالي وقف العمل في المصانع والمؤسسات الإنتاجية والخدمية لفترة لا يستهان بها، وفرضت الدول الكبرى، إلى جانب عدد من الدول الأخرى، حظراً على السفر إلى الصين أو استقبال مواطنيها. وألغت شركات الطيران الكبرى رحلاتها، وبالتالي تضررت تجارة الصين الخارجية بشدة، كما تعرضت السياحة لضربة قاصمة.. ومع انتشار الوباء عالمياً تضررت السياحة العالمية بشدة، وكذلك شركات الطيران ووكالات السفر.
ومن ناحية أخرى، فقد تضررت بشدة «سلاسل الإنتاج» أو «سلاسل التكنولوجيا» المعتمدة إلى حد كبير على السوق الصينية؛ حيث يتم إنتاج أجزاء من منتجات صناعية كثيرة ومهمة في الصين، تم نقلها إلى بلدان أخرى؛ لصنع المنتج النهائي.. وأغلقت شركات أمريكية وغربية كثيرة فروعها في الصين، وسحبت موظفيها الأجانب.. إلخ.
وتقدر مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا أن ذلك سيؤدي إلى فقدان الصين نحو نقطة مئوية على الأقل من نسبة النمو المتوقع لاقتصادها، لينخفض من (6.5% إلى 5.6%) هذا العام قابل للزيادة حسب مدى انتشار الوباء، وطول مدته «رويترز 22 فبراير/شباط»، بينما يتوقع خبراء آخرون أن تبلغ الخسارة (1.5%) أو حتى أكثر من ذلك، ويجب أن نضيف إلى ذلك طبعاً النفقات على مواجهة الوباء، والخسائر البشرية.

إذا عطست الصين

ونظراً لضخامة الاقتصاد الصيني، وتشابكه مع اقتصادات الدول الصناعية الكبرى ومختلف دول العالم، فإن ارتباك أوضاع الاقتصاد الصيني سيكون له تأثيره السلبي الكبير على الاقتصاد العالمي كله.. فانقطاع «سلاسل الإنتاج» مثلاً سيترتب عليه توقف إنتاج شركات كبرى في الولايات المتحدة واليابان و«كوريا الجنوبية بدرجة أقل» وغيرها من الدول الصناعية الكبرى من المجالات التي تعتمد على السوق الصينية، حتى يتم توفير البديل، وهي مسألة معقدة.
ومن ناحية أخرى فإن تباطؤ الاقتصاد الصيني سيترتب عليه انخفاض وارداتها من النفط والغاز- وهذا ما حدث فعلاً- وهو مرشح للزيادة؛ لأن الصين هي أكبر مستورد ومستهلك للنفط في العالم.. وهذا ما أدى بالفعل لانخفاض أسعار النفط خلال الأسابيع الماضية من قرابة (70) دولاراً للبرميل إلى (50) دولاراً للبرميل من خام برنت؛ الأمر الذي يعني خسائر كبيرة للدول المصدرة للنفط.
وبدهي أن يؤدي ذلك إلى خسائر كبيرة للبورصات العالمية، التي انخفضت بنسبة نحو (10%)- حسبما يؤكد الرئيس الروسي بوتين- استناداً إلى تقارير الخبراء (RT 1 مارس) وهي أكبر خسارة منذ أزمة 2008 وهو ما رأيناه أيضاً في البورصات العربية.

انتشار واسع للوباء

ومعروف أن الوباء قد اقتحم نحو ستين بلداً، من أكثرها معاناة كوريا الجنوبية وإيطاليا، كما وصل إلى الولايات المتحدة؛ حيث توفي شخصان صباح الاثنين في الثاني من مارس/آذار، واقتحم الشرق الأوسط وأوروبا، وتمثل إيران بالذات حالة مثيرة للقلق؛ حيث تم تسجيل ألف إصابة، ووفاة (54)، ومن بين المصابين نائبة رئيس الجمهورية ونائبة وزيرة الصحة و7 نواب.. ويشير خبراء إلى أن طهران تفرض سياسة تعتيم، وتقلل من خسائرها؛ لطمأنة الجمهور.. والمشكلة أن إيران مجاورة لعدد من البلدان العربية، فضلاً عن باكستان وأفغانستان، وحركة الانتقالات نشطة بصورة خاصة بينها وبين كل من العراق وسوريا ولبنان.. وإذا لم تفصح بشفافية عن حقيقة الوضع فيها، وتطلب المساعدة الدولية؛ فإن الوباء يمكن أن يتحول إلى كارثة إقليمية تسبب أفدح الضرر لكل جيرانها، وفي مقدمتهم بلدان الخليج العربي.
الانتشار الواسع للوباء وتزايد أعداد المصابين والوفيات كل يوم، يوضح كيف أن عالمنا صغير ومترابط، وأن جميع الدول بحاجة للتعاضد؛ من أجل مواجهة مثل هذه الكوارث، ولمساعدة الدول الفقيرة وذات الأنظمة الصحية الضعيفة.. وإلا فإن الكارثة تهدد الجميع.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"