الحاجة إلى دراسات لفهم المستقبل

03:23 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاطف الغمري

علم الدراسات المستقبلية يختص أساساً بما هو محتمل وممكن الحدوث، وكذلك الأحداث التي يعتبر إمكان وقوعها قليلاً.

قفزت أهمية الدراسات المستقبلية، لتشغل باحثين ودارسين، وهم يرصدون صعود أحداث غاطسة في قاع الهموم العالمية، إلى السطح الظاهر، لتفاجئ العالم كحقيقة واقعة، وصار ما يهمهم الآن الاستعداد لملاقاة الكوارث، التي يمكن أن تفاجئ الدول دون تمهيد أو سابق إنذار.

يذكرني ذلك بما كنا مشغولين به في هذا الفرع من الدراسات، وقت أن كنت عضواً في مركز الدراسات المستقبلية التابع لمركز دعم صناعة القرار، وأيضاً عضواً في مجلس إدارة مركز الدراسات بجامعة أسيوط، والاثنان كان يتولى إدارتهما الراحل الدكتور محمد إبراهيم منصور، أستاذ العلوم السياسية حينها، لكنني أعي بحكم الممارسة، الأهمية الحيوية لهذا الفرع من العلوم السياسية، وزاد من اهتمامي به، التركيز الذي ألاحظه هذه الأيام من أكثر من مؤسسة بحثية، على إدراج التوقعات المستقبلية ضمن برامجها.

وبشكل عام فإن علم الدراسات المستقبلية يختص أساساً بما هو محتمل وممكن الحدوث، وكذلك الأحداث التي يعتبر إمكان وقوعها قليلاً، أو حتى مستبعداً، لكنها لو حدثت، فإن التأثيرات المصاحبة لها يمكن أن تكون خطيرة.

لفت انتباهي دراسة لمركز بحوث أتلانتيك كونسيل الأمريكي، وأيضاً ورقة بحثية لمعهد أبحاث السياسة الخارجية الأوروبي، فالأول حدد بصورة قاطعة الهدف الأساسي من استراتيجية الأمن القومي للدولة، وهو توافر الوعي بتدبير وسائل درء المخاطر المرتبطة بالتحديات المستقبلية، بمعنى ضمان الأمن للدولة على المدى الطويل، في مواجهة ما لا يوجد يقين باحتمالات حدوثه أو حتى عدم حدوثه مستقبلاً، إضافة بالطبع إلى ما يعتبر تهديداً مؤكداً بالفعل، واعتماداً على أن الاستراتيجية تتطلع بطبيعتها إلى تزويد الدولة برؤية تجعلها مستعدة لأي خطر مستقبلي، اعتماداً على نظام بحثي يقوم على التوقع والتكهن، بدقة متناهية، لما يمكن أن يقع استناداً إلى مؤشرات توحي بذلك حتى ولو كانت بسيطة.

في هذا المجال امتلكت بعض الحكومات هذا الحس الاستراتيجي، ذا النظرة بعيدة المدى، مثل فنلندا، وسنغافورة، وكوريا الجنوبية، فأسست مراكز لتقييم مؤشرات لأحداث قد تقع مستقبلاً، وتحتاج تجهيز أدوات التعامل معها من الآن.

ترى هذه المراكز أن الولايات المتحدة كان لديها مثال هذا النظام، في إطار محاكاة لأزمات مستقبلية، مثل عملية تدريب عسكري في صحراء أريزونا في الثمانينات من القرن الماضي ، هذه المحاكاة التدريبية تمت الاستفادة منها بعد عشر سنوات، عندما أقدم صدام حسين على غزو الكويت.

هذا كله يدخل في إطار مفهوم الأمن القومي، والمتفق عليه أن استراتيجية الأمن القومي، لها أنماط مختلفة ومتعددة حول العالم، إلا أنها تتشارك في عناصر أساسية، تأخذ بها كافة الاستراتيجيات، وعموماً فإن أي استراتيجية لا بد أن تضع في حساباتها هوية الدولة التاريخية، وقيمها الوطنية الثابتة، مع بعض المرونة التي تسمح بتغيير في أولوياتها، وفق تطورات داخلية، أو ظهور أزمات كبرى في العالم تمسها مباشرة.

وربما يكون معهد أبحاث السياسة الخارجية الأوروبي، قد لخص القيمة الكبرى للدراسات المستقبلية والمعرفة المبكرة بالأحداث، بقوله: إن فيروس كورونا قد أثبت للخبراء العسكريين في العالم أننا كنا عمياناً. ففي القرن العشرين كانت الحرب النووية مصدر الفزع الأكبر، بحيث أقمنا مؤسساتنا للرد على هذا التهديد، دون استشراف ما يمكن أن يهبط علينا من مخاطر لم تكن متوقعة.

وفي السياق نفسه، جاءت الدراسة التي طرحها الجنرال ستيفن بلانك، كبير المستشارين السابق بوزارة الدفاع الأمريكية، الذي يشير إلى أنه لن يكون في مقدور أي دولة التيقن من حماية أمنها القومي، من دون أن تكون متمتعة بالرؤية المستقبلية بعيدة المدى، وأن الجيوش أو الأسلحة المتقدمة المتوافرة لدينا للقرن الحادي والعشرين، لم تعد تصلح للدفاع ضد ما طرأ على حياتنا من تهديد مختلف في نوعيته.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"