المتطرفون يعلنون الحرب على الكمامة

02:46 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

استخدم متطرفون في مختلف الأديان الكمامة للوقاية من فيروس «كورونا»، ذريعة للإفلات من الالتزام بقواعد السلامة العامة.

حصدت جائحة «كورونا» حتى الآن حياة المليون نسمة، وأصابت قرابة ثلاثين مليوناً، وبلغت الخسائر الناجمة عن التباطؤ االاقتصادي قرابة 13 تريليون دولار، فضلاً عما طبعته بعض الدول من أوراق مالية نقدية دون تغطية، ولعل أهم سبب لتصاعد الجائحة هو غياب التعاون الدولي في مكافحتها. وكان المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس أكد ضرورة أن يكون هناك المزيد من التضامن العالمي في مواجهة فيروس «كورونا»، معتبراً أنّ غياب هذا التضامن هو «أكثر ما يدعو إلى القلق»، رغم مرور ستّة أشهر على إعلان فيروس «كورونا» جائحة.

ويلاحظ أن الدول التي استخف قادتها بالفيروس هي التي تعاظمت فيها الإصابات والوفيات، مثل الولايات المتحدة والهند والبرازيل وإسرائيل وإيران؛ حيث لعبت السياسة والدين معاً دوراً في تفشي الفيروس منذ بدايته؛ إذ عاد الشعور الديني المتطرف ليفرض نفسه على هامش جائحة «كورونا» كعنصر أولي مساعد على انتشارها، وعنصر مؤثر في استمرارها نتيجة للفهم الخاطيء للأديان، وتسييس المشاعر الدينية. وكانت كنيسة القس مون في كوريا الجنوبية لعبت دوراً في تفشي الفيروس؛ نظراً لتكتم الكنيسة التي تؤمن بألوهية مؤسسها مون، وعدم الإبلاغ عن الإصابات التي ظهرت بين أعضائها الذين يؤدون الصلوات متلامسين، ودورهم في نشر الفيروس داخلياً، وعن طريق رحلات دينية.

حالياً يدور جدل في الولايات المتحدة حول الكمامة التي اتخذها أنصار الرئيس ترامب من الكنيسة المسيحية الصهيونية عدواً لهم؛ لأنها تغير شكل الإنسان الذي خلقه الرب بصورة لا يجب تشويهها بارتداء الكمامة كما يقولون، ويجد معارضو التكميم في فرضها اعتداءً على حقوقهم الدينية. ويروّج رجال دين ومبشرون لرفض الكمامة، عبر حساباتهم على مواقع التواصل. ووصف رجل دين فرض الكمامة «بالإجراء النازي»، ومن يلتزمون به بال«الأغنام»، وقال أحد رجال الدين، إنّ الإجراءات المشدّدة تشبه الأنظمة الشيوعية والقمعيّة، كما في الصين وكوريا الشمالية، ولا تمتّ للقيم الأمريكية بصلة على حدّ تعبيره.

قبل أشهر، انتشرت مقتطفات من تسجيلات لمواطنين أمريكيين، خلال جلسة استماع حول إجراءات الوقاية في ولاية فلوريدا، قالوا فيها بأنّ الكمامات أشبه بعبادة الشيطان، وأنّها تسبّب الموت. يومها، أثار الشريط الضحك، كأنّه فقرة كوميدية عابرة، ولكن مع تطوّر انتشار الوباء في الولايات المتحدة، بات لليمين المسيحي رأي أكثر تشدّداً حول الموضوع، وبات يستخدمه كحجّة سياسية؛ حيث أعلن نواب من الحزب الجمهوري أنهم لن يلتزموا بالكمامة لأنّها «إهانة»، وضرب لثقافة الولايات المتحدة.

وفي وقت تم تأجيج المشاعر الدينية كجزء من الحملات الانتخابية أظهرت دراسة أنّ رفض الكمامات يرتفع في أوساط المواطنين المحافظين، خصوصاً المقتنعين بأنّ الولايات المتحدة أمّة مختارة من الله.

وقد ظهر جلياً أن الصلوات الجماعية لعبت دوراً في نشر الفيروس، خاصة في الهند والولايات المتحدة وبعض الدول الإسلامية التي تعاني من وجود أحزاب متطرفة تعتبر الفيروس كذبة تارة، ومؤامرة ضد الصلاة تارة أخرى، لكن المرجعيات الدينية الإسلامية اتفقت على وقف الصلوات في المساجد وفقاً للوضع الصحي والتعليمات. ومما دعم رأي معارضي الكمامة هو أن بعض الأطباء باتوا يشككون في وقايتها من الفيروس، وذهبوا لحد القول إنها مضرة، كما أن منظمة الصحة العالمية ذكرت أن الكمامة لا تقي من الفيروس.

وفي بداية انتشار الوباء رفضت تيارات إسلامية متطرفة إغلاق المساجد، كما رفض اليهود المتدينون التقيد بالوقاية من الفيروس، وشهدت بعض الكنائس في لبنان على سبيل المثال، مشادّات كلامية بين المصلين والكهنة، حول الالتزام بإجراءات السلامة، ثمّ خفتت تلك الأصوات مع تصاعد أعداد الإصابات بالوباء.

عربياً، ساد نقاش فقهي مع اتساع رقعة الجائحة حول جواز الصلاة أثناء وضع الكمامة، وحول أهمية الوضوء في الوقاية من الإصابة، حسمته المرجعيات الدينية بفرض الوقاية كواجب شرعي.

وباستثناء بعض الأصوات المعارضة لتعليق صلاة الجمعة، لم يسمع أيّ اعتراض جدّي على إجراءات الوقاية، مع إجماع المرجعيات الدينية على اعتبارها واجباً دينياً.

ومع الإيذان التدريجي بعودة صلاة الجمعة إلى المساجد في بعض الدول، التزم الأئمة والمصلون بارتداء الكمامة، وبالتباعد الاجتماعي. وكما نلاحظ فإن الغيبيات تنتشر في الأزمات، ويتعلق بها الجهلة لعجز العلم عن العلاج.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"