سياسة التعطيش التركية

04:47 صباحا
قراءة 3 دقائق


نبيل سالم

تعاني محافظة الحسكة السوريّة، الواقعة شمال شرقيّ البلاد، من أزمة مياه حقيقية مؤخراً، لدرجة يمكن معها وصف المحافظة بالعطشى؛ وذلك بسبب ما تفعله قوات الاحتلال التركي، والابتزاز الواضح الذي يقوم به نظام «الإخوان» في أنقرة، بعد أن عمدت قواته إلى إيقاف عمل مضخة مياه الشرب في محطة «علوك» في ريف المدينة، والتي تشكل أحد مصادر المياه المهمة في المحافظة، الأمر الذي يحرم أكثر من مليون إنسان داخل مدينة الحسكة وأريافها من مياه الشرب.
والحقيقة أن هذه الأفعال التركية التي تخالف بشكل صريح كل المواثيق والأعراف الدولية، إنما تأتي تكملة للدور التركي المشين في سوريا، لا سيما أن أنقرة منخرطة في الحرب عليها، وتسعى باستماتة لتحقيق مكاسب استعمارية في المنطقة، تعيد إلى الأذهان الاحتلال العثماني البائد.
لقد أدى الموقف التركي الأخير إلى تصاعد المطالبات والمناشدات من داخل المدينة، لنجدة السكان، ووقف حرب المياه التركيّة على محافظة الحسكة التي تعد سلة غذاء البلاد، كما ناشد أهل الحسكة كافة المنظمات الدوليّة والإنسانيّة والمجتمع الدوليّ بالضغط على تركيا؛ لوقف ممارساتها الوحشية ضد الأبرياء، واعتبر ناشطون أنّ تركيا المتمثلة بنظامها «الأردوغانيّ» لا يمكن أن تخلع رداءها العثمانيّ، ولا يمكن أن تتجرد من صفاتها الإجراميّة والتوسعيّة.
وتتحدث مصادر إعلاميّة عن مجريات حرب المياه التي تقودها تركيا؛ حيث يبدو أنّ الجانب الروسيّ لم يفلح في إقناع أنقرة بإعادة مياه الشرب، ما يعني عدم وجود أي تقدّم في مسار المفاوضات لإنقاذ المدنيين الذين يعانون من شح كبير في مياه الشرب، في وقت تقوم فيه الحكومة السوريّة بعمليات نقل كميات من المياه بشكل عاجل عبر الصهاريج إلى سكان محافظة الحسكة، بالرغم من وقوع قسم كبير منها تحت سيطرة ميليشيات «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية الانفصاليّة.
والحقيقة أن المعاناة المزمنة مع الاحتلال التركي بدأت منذ احتلاله لمدينة رأس العين في أكتوبر/تشرين الأول 2019 عندما شهدت العديد من القرى بريف بلدة تل تمر قصفاً بقذائف المدفعية من قبل الجيش التركي وفصائل المعارضة المسلحة، تسبب ذلك القصف بانفجار أنبوب المياه الرئيسي القادم من محطة مياه علوك ليخرج عن الخدمة، بالإضافة إلى استمرار الحكومة التركية في عدوانها بالحد من تدفق المياه في نهري الفرات ودجلة، خلافاً للقوانين الدولية والاتفاقيات التي تحكم توزيع المياه والحصص في حالات الأنهار العابرة للحدود.
وحذّرت صحيفة «دير شبيجل» الألمانية من العواقب المُميتة لنقصِ المياه على السكان في شمال شرق سوريا، كما حذرت وزارة الموارد المائية العراقية، من أضرار وخيمة قد يسببها عدم الاتفاق مع تركيا بملف المياه.
ولابد من التذكير هنا بأن الجرائم التركية بحق كل من العراق وسوريا ليست وليدة اليوم؛ إذ عكفت أنقرة ومنذ سنوات عديدة على إقامة العديد من السدود على نهري دجلة والفرات، حارمة البلدين من حقوقهما في المياه بمقتضى القانون الدولي، ولا سيما اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية في الأغراض غير الملاحية، والوثيقة أقرتها الأمم المتحدة في 21 مايو/أيار 1997 وتتعلق باستخدامات والحفاظ على كل المياه العابرة للحدود الدولية، بما فيها المياه السطحية والمياه الجوفية.
أخيراً يمكن القول إن أنقرة تشن حرب مياه حقيقية، تعتمد على التعطيش، ضد كل من سوريا والعراق، وليست ضد محافظة الحسكة السورية فقط، التي تستغيث من أجل الماء في ظل صمت دولي مخجل عن الجرائم التركية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"