أسلحة روسيا لمواجهة الجائحة

05:12 صباحا
قراءة 3 دقائق
الحسين الزاوي

ارتكزت النهضة الروسية الجديدة في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي سنة 1991 على إعادة بناء القوة العسكرية لروسيا الاتحادية وعلى إعادة إحياء وتطوير النسيج الصناعي العسكري الذي سمح لموسكو أن تحتل المرتبة الثانية عالمياً على مستوى الدول المصدرة للأسلحة، لكن وعلى الرغم من هذه القوة العسكرية التي باتت تمتلكها موسكو فإنها ما زالت تفتقد لقدرات اقتصادية متطورة على غرار الصين الحليفة الاستراتيجية لها والتي يمثل اقتصادها نحو 15 في المئة من الناتج العالمي، والحقيقة أن الإسهام الاقتصادي لروسيا لا يتجاوز إسهام دول أوروبية متوسطة الدخل ولا تمتلك تأثيراً جيوسياسياً موازياً لتأثيرها.
وبالتالي فإن هذه الهشاشة الاقتصادية تنعكس بشكل لافت على قدرات موسكو في مواجهة تبعات هذه الجائحة العالمية، إذ إنه وعلى الرغم من أن الوضع الصحي في روسيا ظل طوال الأسابيع الماضية أفضل من وضع الدول الأوروبية الأخرى، فإن نسبة تفشي الجائحة في ربوع التراب الروسي تتطور بوتيرة مقلقة ويمكن أن تصل إلى الذروة مع منتصف شهر مايو الجاري.
وقد أدت التطورات الناجمة عن انتشار فيروس «كورونا» إلى تعطيل الأجندة السياسية لموسكو؛ حيث كانت السلطات الروسية تعتزم طرح التعديلات الدستورية التي أقرها البرلمان الروسي في استفتاء شعبي يوم 22 إبريل/نيسان الماضي.
وعلاوة على التحديات الصحية التي تفرضها الجائحة على القيادة في روسيا، فإن الانهيار الكبير الذي شهدته أسعار النفط خلال الأسابيع الأخيرة أسهم إلى حد كبير في خلخلة التوازنات المالية للاقتصاد الروسي الذي يعتمد في المقام الأول على تصدير البترول والأسلحة وهما سلعتان ليس لهما دور مؤثر وفاعل في أزمنة الأوبئة مقارنة بما تقدمه الصناعات التحويلية من قيمة مضافة في مثل هذه الحالات.
وتؤثر هذه الجائحة في السياق نفسه على قدرة الرئيس فلاديمير بوتين في المحافظة على الكثير من مواعيده السياسية الحاسمة وفي مقدمتها الاستعراض العسكري الكبير الذي كان من المفترض أن يقام يوم 9 مايو/أيار لإحياء الذكرى 75 لانتصار الاتحاد السوفييتي على القوات النازية، وهو الاحتفال الذي كان من المنتظر أن يحضره زعماء العديد من الدول، ومن ثمة فإن إلغاء هذا الاحتفال، أفقد الرئيس الروسي إحدى أوراقه المهمة لإبراز وجوده على المستوى الدولي، وبخاصة أن المتابعين للسياسة الروسية يؤكدون أن بوتين بات يركز بشكل لافت للنظر على الملفات الدولية أكثر من اهتمامه بالقضايا الداخلية.
ونستطيع القول إن هناك حذراً وخوفاً شديدين داخل المجتمع الروسي بشأن التداعيات المحتملة للجائحة على الأسر الروسية التي يعاني قسم كبير منها تدهور القدرة الشرائية، التي هي مرشحة للتفاقم في حال استمرار إجراءات العزل المنزلي، فهناك مناطق عدة في روسيا تعاني الفقر والهشاشة الاقتصادية ولا تستطيع أن تتحمل عملية توقيف النشاط الاقتصادي لمدة طويلة، وذلك ما يفسّر قيام المئات من الأشخاص بالاحتجاج ضد الإجراءات الصحية الاستثنائية المتخذة في منطقة القوقاز، لاسيما في أوسيتيا الشمالية التي يرفض السكان فيها الالتزام بهذا العزل الذي يؤثر سلباً في مستواهم المعيشي.
وعليه فإن المفارقة الكبرى التي أبرزتها هذه الجائحة على مستوى المشهد الروسي، تكمن في أنه وقياساً للترسانة العسكرية الضخمة التي تملكها موسكو والتي تسمح لها بلعب دور جيوسياسي في مستوى تطلعاتها القومية، فإن الأسلحة التي تمتلكها من أجل مواجهة الجائحة ولحماية مواطنيها من هذا المرض، تبدو جد متواضعة مقارنة بالدول التي تملك منظومات صحية متطورة على الرغم من احتلالها لمراتب متدنية على مستوى القدرات العسكرية. ويمكن أن نخلص إلى القول إن ارتكاز النهضة الجديدة لروسيا، على الصناعات الحربية، مع غياب صناعة تحويلية متطورة قادرة عن المنافسة، فإن من شأن كل ذلك أن يرسّخ على المدى المنظور تبعية موسكو للتنين الصيني.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"