شهية الإرهاب في المناسبات الدينية

03:03 صباحا
قراءة 3 دقائق
محمود حسونة

مرتكبو الإرهاب وممولوه ومنظروه لا يعرفون رباً ولا رسلاً ولا ديناً، وما هم إلا تجار دين

نعم، الإرهاب لا دين ولا ملة له، وهذا ليس مجرد كلام، فهو نفسه دين من يسلكون طريقه، ومن يمولونهم، ومن يتعاطفون معهم. لا فرق بين من يرهب ومن يخطط ومن يمول ومن يتعاطف، كلهم يدينون بدين جديد هو دين الإرهاب؛ دين يتعارض في تعاليمه مع تعاليم كل الديانات السماوية، وكل الأنبياء والرسل جاؤوا إلى البشرية محملين برسالات تدعو إلى الرحمة والعدل والحق، في حين أن الإرهاب لا يؤمن بالرحمة ولا يطبق عدلاً ولا يعرف حقاً، ورب الخلق حسم الأمر مؤكداً أن من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً، أما دين الإرهاب فمبدأه الأساسي قتل من لا يؤمن به فكراً، ولا يقبله منطقاً، ومن يختلف مع معتنقيه رؤية ورأياً.

تعلمنا صغاراً أن رمضان ليس مجرد شهر للصوم؛ لكنه شهر الرحمة والعطاء والغفران، شهر العبادات والطاعات، شهر تفتح فيه أبواب الجنان وتغلق أبواب النار وتصفد فيه الشياطين وتنزل الملائكة على الأرض. تعلمنا أنه شهر لا يكون الصوم فيه عن الأكل والشرب فقط، ولكن جوهره هو الصيام عن المعاصي والإساءة للناس وإيذاء الآخر، تعلمنا أن نصوم عن السب والشتم وإذا تجاوز في حقنا أحد يكون ردنا «اللهم إني صائم».. وإذا بالإرهابيين الذين يقتلون باسم دين السماحة، وهو منهم براء، يحلو لهم ارتكاب جرائمهم في رمضان، يقتلون ويسفكون الدماء، ويرمون الناس بالباطل، ويسعون لنشر الفتنة وإثارة الفوضى.

الإرهاب تنفتح شهيته لارتكاب الموبقات في شهر الطاعات والعبادات، وكأن معتنقي الفكر وعقيدة الترهيب والإرهاب ينتظرون الوقت الذي تصفّد فيه الشياطين، ليأخذوا أماكنهم على الأرض، ويثبتوا أنهم شياطين الإنس الذين يتفوقون على فصيلة إبليس في تضليل الناس وقتل الأبرياء.

خلال العشر الأوائل من رمضان (أيام الرحمة)، أضاف الإرهاب إلى سجله شديد السواد، جريمة جديدة، في مدينة بئر العبد بسيناء، بتفجير عبوة ناسفة في مدرعة عسكرية قبل إفطار سادس أيام الشهر المبارك، مما أدى إلى استشهاد 10 من رجال القوات المسلحة وهم صائمون، ليعيد إلى الذاكرة العديد من الجرائم المشابهة التي ارتكبها في رمضان أيضاً.

لن ننسى جريمة رفح في رمضان عام 2012 واستشهد خلالها 16 عسكرياً وقت الإفطار، ولن ننسى العديد من الجرائم الإرهابية البشعة التي ارتكبت في رمضان من هؤلاء القاسية قلوبهم، والضالة عقولهم، والكئيبة مناظرهم؛ لن ننسى تفجير موكب النائب العام هشام بركات، ولا مذبحة الفرافرة، ولا مذبحتي رفح الثالثة والرابعة، وهذه ليست سوى نماذج من أفعال معتنقي عقيدة وفكر الإرهاب.

المؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر تزداد أخلاقهم سمواً ورفعة في المناسبات الدينية، ويزدادون خشية للخالق العظيم ورهبة من ارتكاب ما يغضبه، بينما يستمتع الإرهابيون بإزهاق أرواح الأبرياء في المناسبات الدينية وبيوت الله وأماكن العبادة.

قتلوا صائمين أبرياء في خير الشهور (رمضان)، وقتلوا الركع السجود في خير الأيام (الجمعة) وهم يؤدون صلاة الجمعة، ويوم 25 نوفمبر 2017 ليس ببعيد، عندما امتدت أياديهم الآثمة لتقتل المصلين بمسجد الروضة، في منطقة بئر العبد أيضاً، في هجوم مسلح نتج عنه استشهاد 305 مصلين وإصابة 128.

الإرهابيون أزهقوا أرواحاً كثيرة في أوقات عبادتها لله، وخربوا دور عبادة، ولم يفرقوا بين مسلم ومسيحي، استهدفوا المسلمين في الأشهر الحرم وأيام الجمع، واستهدفوا الأقباط في أعياد الميلاد وأعياد القيامة، وخربوا مساجد وكنائس.

ألا تكفي جرائم الإرهاب للتدليل على أن مرتكبيه ومموليه ومنظريه لا يعرفون رباً ولا رسلاً ولا ديناً، وما هم إلا تجار دين، أجادوا لعقود وسنوات اللعب بالعقائد والمشاعر وهدفهم الأوحد لم يكن سوى سرقة أوطان، حتى انكشف المستور وأصبح اللعب على المكشوف؟ وبعد أن أغلقت أمامهم أبواب تحقيق الحلم الكابوس ولم يعد من بصيص أمل في أن يتحكموا بمصائر البلاء بعد أن اكتشف حقيقتهم العباد، ازدادوا سفكاً للدماء، وأمام إرادة شعب مصر وقواته المسلحة وأمام ما يحدث في سيناء من تنمية انكسرت شوكتهم، وضاق عليهم الخناق، وتهشمت إرادتهم بعد أن تهمشت مساحتهم الجماهيرية، وأصبحوا قاب قوسين من أن يلفظوا أنفاسهم بعد أن لفظهم الناس.

الإرهابيون لا دين لهم سوى الإرهاب ولا هدف إلا السلطة، وأصبحوا مطاردين في كل مكان، بما في ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن تحولوا إلى كائنات كالبوم تنعق على بعضها البعض ولا يسمعهم أحد إلا من عمي قلبه وفقد بصيرته.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"