العطش العربي

04:11 صباحا
قراءة 3 دقائق
حافظ البرغوثي

شهد هذا الصيف، كغيره من السنين الماضية، جفافاً في المناطق الزراعية العراقية والسورية، على حد سواء، وصل إلى تعطيش مناطق في شمال سوريا، قطعت عنها تركيا المياه. ومع تفاقم أزمة المياه في البلدين الجارين، لم تقم أي منهما بأية إجراءات للتوصل إلى حلول وسط أو تفعيل محادثات سابقة حول تقاسم المياه. فمنذ عقود والعراق يشهد حروباً وفتناً وفوضى، سمحت لإيران تحويل عشرة روافد مائية كانت تصب في دجلة، بل وصل الأمر إلى تعطيش عرب الأهواز الذين خرجوا في مظاهرات احتجاجية. وبينما كشف انحسار المياه في السدود العراقية عن آثار لحضارات قديمة لم تكن معروفة، فإن ملء خزان «سد اليسو» التركي، غمر آثاراً قديمة في تركيا. فالوفرة المائية في تركيا من جراء حبس مياه الأنهار والسدود، أدت إلى عطش وجفاف في العراق وسوريا اللتين تعيشان مرحلة مضطربة داخلياً.
وكان مسؤولون عراقيون حذروا من جفاف الأهوار، وانخفاض منسوبات المياه في البصرة، واضطر العراق إلى حظر زراعة الأرز والمحاصيل الأخرى التي تحتاج إلى ري مكثف، وباتت الحياة البيئية والزراعية في خطر بمنطقة الأهوار الجنوبية الشهيرة بتنوع الحياة البرية فيها، حتى أن العراق عملياً، وفقاً لتقديرات محلية، فقد نصف أراضيه الزراعية، ونفوق الحيوانات، وهجرة الفلاحين من أراضيهم القاحلة. وكانت تركيا باشرت منذ العام الماضي في تشغيل سد «اليسو»، ما يشكل ضربة للزراعة في العراق، ستظهر تداعياتها في مختلف نواحي الحياة. وقد أثار هذا الأمر غضب العراقيين والقلق لدى السلطات التي تواجه أصلاً مشاكل بسبب النقص المزمن في الطاقة الكهربائية.
وحاول العراق منذ سنوات التوصّل إلى تفاهمات مع تركيا للحفاظ على حصّته المائية في دجلة والفرات، وتجنّب أزمة جديدة، من شأنها أن تعكّر أوضاعه الصعبة أصلاً. وكثّف المسؤولون العراقيون من تواصلهم مع نظرائهم الأتراك بشأن هذا الموضوع الحسّاس، لكنّ جهات عراقية تقول إنّ أنقرة تعمل على مساومة بغداد بملف المياه لانتزاع مكاسب عسكرية واقتصادية.
قال سليمان ديميريل رئيس وزراء تركيا في التسعينات إن من حق تركيا ملء خزاناتها، ولها أن تتصرف كما تشاء، دون ضرورة لأخذ موافقة أية جهة كانت، وقال أيضاً إن لتركيا حق السيادة على مواردها المائية، ولا ينبغي أن تخلق السدود التي تبنيها على دجلة والفرات أية مشكلة دولية، ويجب أن يدرك الجميع أن نهر الفرات، ونهر دجلة ليسا من الأنهار الدولية. وقال في مناسبة أخرى: «ليس لسوريا أو العراق أي حق في المياه التي تنبع من تركيا، وإن حكومته غير مستعدة لتقديم أية ضمانات مستقبلية فيما يتعلق بكميات المياه التي ستتركها لسوريا والعراق من نهري دجلة والفرات»، وما زال الموقف التركي ثابتاً على هذا النحو حتى الآن. ويلاحظ أن الجانب التركي يستخدم تعبير المياه العابرة للحدود بدلاً من الأنهر الدولية، وفي تعريف تركيا للأنهر الدولية ثغرة ليست في صالح تركيا، وذلك فيما يتعلق بنهر دجلة، حيث إن دجلة، واعتباراً من مدينة جزرة التركية الحدودية، يؤلف الحدود السورية لمسافة (44) كيلومتراً، فلماذا لم توقع تركيا مع سوريا اتفاقية شبيهة بما وقعتها مع الاتحاد السوفييتي السابق (أرمينيا وجورجيا في الوقت الحاضر)، بتقاسم المياه على الأنهار المشتركة، وعدم التلاعب بمياه النهر من دون موافقة الدولة «الحدودية»؟!
خلاصة القول إن تركيا وإيران استفادتا من التوتر في العلاقات بين نظامي الحكم في العراق وسوريا منذ الثمانينات، للاستفراد بالقرار بشأن المياه، كما أن التدخل الإيراني في الشأن العراقي حالياً يمنع العراق من المطالبة بحقوقه المائية، فيما التوغل التركي في شمال سوريا يجعل تركيا تتحكم بالمياه وبأرض سوريا وليس بالمياه فقط. وكان تحويل إسرائيل لمجرى نهر الأردن في أواسط الستينات كفيلاً بإثارة الدول العربية جمعاء وتشكيل قيادة موحدة لمواجهة التحويل، لكنها انتهت بحرب 67. لكن هذا الموقف يبدو غائباً مع أن القضية باتت قضية حياة أو موت بالنسبة للأقطار العربية المهددة بالعطش.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"