أشعر بأنني مميزة عندما أتحدث جملة كاملة من دون أن استبدل بإحدى مفرداتها لغة أخرى، كأنني حققت إنجازاً في التحري والبحث عن كلمات تعطي المعنى المراد إيصاله، ولكنني أستشعر جمال نطق تلك الكلمات والتحدث بها جمالاً لا يضاهيه جمال، ويزيد الإبداع تميزاً إذا ما اقترنت بجمل فيها بلاغة المعاني وفصاحة اللفظ وأبيات شعرية تزخر بالصور البديعية.
ولا يمكن أن نعدّ العربية لساناً لغوياً فحسب، بل هي هوية تعرف عنك، وتحمل الكثير من القيم، وهي بلا شك مرآة للحضارة.. واختلاف الحضارات يؤدي إلى اختلاف العادات والتقاليد، حتى الزي الذي يعدّ جزءاً لا يتجزأ من الهوية والأصالة.
العربية تتميز بروح الأصالة، قديمة المنشأ؛ واللغة نبع رقراق متدفق بمفردات جزلة، غنية في معانيها، وحروفها اشتملت على كل مخارج النطق، وتطلق عنان مخيلتك لتجد جمال تراكيبها، ورموزها التي تكتفي بالإيحاء من دون المبالغة في الحديث..
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «تعلموا العربية فإنها تثبت العقل وتزيد في المروءة»، فمن عادة العرب قديماً إرسال أبنائهم إلى البادية، لتحصيل لغة العرب واستقامة اللسان، ومخالطتهم وتحصيل ملكة التكلم، ومن لم يتيسر له فالاستعاضة بذلك من الشعر والنثر المدون في الدواوين، نجد أن الإبداع في لغتنا لا يقتصر على النطق، بل كتابةً وسمعاً، فتميزت بتشكيل الخط العربي نقشاً وزخرفةً وزينة بالحركات. ومن شدة جمالها نقشها المسلمون وزينوا بها جدران المساجد وقبابها.
وعندما يصوغ الشاعر كلماتٍ لتحمل مشاعره الجياشة ويستخدم الألفاظ المنتقاة لتوضيح ما يجول في خاطره من أفكار، وكذلك في النثر. وهي كذلك، اللغة المستخدمة في الخطابة والقصة والرواية.
نشأت بعض علوم اللغة لتقويم اللسان وسلامة الإنشاء والاحتراز عن الخطأ ومن زلة الجاهل، ومنها «علم الأدب» وتعرف به أساليب الكلام البليغ في كل حال من أحواله.
ويعدّ بشار بن برد رأس الشعراء المحدثين، وأصله من طخارستان، ولكنه نشأ بين العرب فخرج نابغه زمانه في الفصاحة والشعر، فجمع بين جزالة العرب ورقتهم والفتق عن المعاني الدقيقة والأخيلة اللطيفة، وعُدّ برزخاً بين الشعر القديم والحديث، حيث قال:
خليليّ إنّ المال ليس بنافع
إذا لم ينلْ منه أخٌ وصديقُ
وما ضاق فضلُ الله عن متعفّف
ولكنّ أخلاقَ الرجالِ تضيقُ
