حماية حياة البشر مسؤولية الجميع

02:39 صباحا
قراءة 3 دقائق
عاطف الغمري

حان الوقت لإعادة النظر في مضمون الأمن القومي، ليستوعب كافة التهديدات الخطرة لحياة البشر. وليس هناك عدو خطر الآن، أكثر من مرض «كورونا» الفتاك.

ربما يكون ما هو متوقع في عالم ما بعد كورونا، قد جاء من خلال تقديرات لخبراء السياسة الخارجية والأمن القومي في الفترة الماضية، لكن يبقى جانب آخر من هذه الرؤى، مطروح من المجموعة المختصة بالأزمات الدولية، والممثل في ما يعرف بمجموعة الأزمات الدولية التي يرأسها روبرت مالي، الذي شغل من قبل منصب المنسق في البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، والخليج، في إدارة باراك أوباما.

وأهمية الطرح الذي يأتي من جانب مالي ومجموعته، أنهم مختصون في مختلف أشكال الأزمات الدولية، وأن المجموعة تابعت حتى الآن أكثر من 80 نزاعاً وأزمة في أرجاء العالم، وبذلت مساعي لتجنب تصعيد مخاطرها، وإيجاد فرص لحلها سلمياً.

مؤخراً طرح مالي وجهة نظره إما منفرداً، وإما عن طريق جلسات مناقشات ضمن مجموعات من المتخصصين، وكتب في أبريل/نيسان 2020، رؤيته تحت عنوان «النظام العالمي بعد كوفيد 19». إن هذا الوباء يستحث العالم لتعاون دولي عميق لمواجهة تحديات عالمية مشتركة، ستواجهه بعد محنة كورونا.

وقال: «إن التمسك بأي دعاوى أمريكية بقيادة العالم ستنكسر نتيجة إساءة إدارة الرئيس ترامب لكارثة الوباء. بمعنى عدم قدرتها على أن تحمي نفسها، وانسحابها إلى داخل ذاتها على حد تعبيره».

إن الصين قد تتقدم لتملأ هذا الفراغ للقيادة العالمية، وإن كانت ستجد نفسها في الوقت نفسه مثقلة بأعباء التصرف مع الوباء، خاصة بتأثير انكماش اقتصادها. وبصرف النظر عمن يمكن أن يصعد إلى قمة النظام العالمي، فإن الخسارة الاجتماعية والاقتصادية، قد أثقلت ضغوطها على الجميع بلا استثناء.

والسؤال هو: هل يمكن أن يظهر في وقت ما، نظام عالمي أقوى وأفضل مما هو موجود؟. وإذا تذكرنا أن الحلفاء بدأوا بعد الحرب العالمية الثانية في تشكيل نظام لفترة ما بعد الحرب، فإننا نعرف أنه على الرغم من فاعلية هذا النظام، في منع صدام القوى العظمى، فإنه يشمل كثيراً من مظاهر الفشل.

الآن، ونحن في عام 2020، يتكرر التساؤل عما سيجري لخلق نظام جديد أكثر استقراراً واستمرارية، يستجيب للأسباب المتزايدة للقلق لدى الشعوب، لكن الأسوأ من ذلك ألا تجد الشعوب نفسها، وهي تواجه الأزمة القادمة بدون نظام دولي على الإطلاق. ويبقى أن الحل هو في بناء نظام منفتح على مختلف الأفكار، وليس احتكار البعض لها.

ثم كانت مشاركة مالي في عدد من جلسات المناقشات التي طرحت فيها أفكار متنوعة، منها التحذير من أن سياسة الأمن القومي الأمريكي هي توفيق لأفكار الهدف منها إقامة نظام يركز أكثر مما ينبغي على الحروب والتسلح، ولا يوجد اهتمام كافٍ بتهديدات أخرى للأمن القومي مثل تغير المناخ، والأمراض الوبائية الناقلة للعدوى، ثم جاءت «كورونا» لتواجه من يضعون هذه الاستراتيجية بقصر نظرهم، بينما قد حان الوقت لإعادة النظر في مضمون الأمن القومي ليستوعب كافة التهديدات الخطرة لحياة البشر. وليس هناك عدو خطر الآن وربما مستقبلاً يهدد البشرية جميعها، أكثر من مرض كورونا الفتاك، وهي فكرة تستدعي حسب وصف مالي وضعها ضمن تهديدات الأمن القومي في أي استراتيجية فعالة، وهذا أمر كان ينبغي مراعاته منذ عقود مضت.

فمثلاً كانت إدارة الرئيس بيل كلينتون قد نشرت تقريراً استخباراتياً عن تهديد يمثله مرض عالمي، ودعت لدراسة الكيفية التي يجب على الولايات المتحدة أن تضعه في اعتبارها. وتكرر ذلك في عام 2013، عندما عقد مجلس الأمن القومي اجتماعاً دُعي لحضوره مسؤولون عن منع انتشار أمراض خطرة، وتبين للمجتمعين أن المجتمع الدولي ليس مهيأ للتعامل مع هذا النوع من الأوبئة الخطرة.

المشكلة أن ما حدث من انغلاق دول كبرى أو إقليمية على نفسها، في حسابات ضيقة لما يهددها من أخطار قد منعت عن نفسها الفهم بأن الأخطار مهما تعددت أشكالها، فهي عابرة للحدود، وهذه الدول إذا لم تُراعِ ما يهم الآخرين أو يتهددهم، فإنها ستجد نفسها مرمى لأخطار لن تستطيع أن تحمي نفسها منها، دون إدراك أن سلامتها من سلامة الآخرين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"