الوفاء بالعهد

مكارم الأخلاق
03:40 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. رشاد سالم *

الوفاء بالعهد قرين الصدق ونتيجة طبيعية من نتائجه، وثمرة يانعة من ثمراته الكثيرة. إنه خصلة حميدة تدل على رقي من تحلى بها، وتعينه على النجاح في حياته، وتكسبه محبة الناس واحترامهم وتقديرهم. وهو ليس حلية اجتماعية نتباهى بها، وإنما هو خلق إسلامي أصيل يدل على صحة الإيمان وصدق الإسلام، ووردت في تأصيله والحض على التحلي به نصوص كثيرة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ». (المائدة:1) و«وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ

مَسْؤُولاً».(الإسراء: ٣٤ ) إنه أمر رباني قاطع لعباده المؤمنين والمؤمنات بالوفاء بالعهد ومستلزماته وفاء عملياً، لا مجال للتملص والتخلص والانسلال منه، فما يليق بالمسلمين والمسلمات إذا قطعوا عهداً على أنفسهم أن يتنصلوا منه، بل يجب عليهم الوفاء به.

وأضيف العهد في بعض الآيات إلى الله عز وجل، دلالة على قدسيته و جلاله، ووجوب الوفاء

به،«وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ».(النحل: ٩١).

ذلك أن الإسلام يمقت الثرثارين والثرثارات، والمتبجحين بالوعود والمتبجحات، والقوالين والقوالات من غير أفعال ولا وفاء ولا إنجاز: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ».(الصف: ٢-٣) لقد

كره الله لعباده المؤمنين والمؤمنات أن يسعوا إلى درك الثرثرة الفارغة والوعود الطائرة الفضفاضة فيخلفون وعودهم، ويتحللون من عهودهم، ويتنصلون من التزاماتهم، لأن ذلك لا يليق بهم.

وجاء الاستفهام الإنكاري في صدر الآية معبراً عن ذلك المقت السيئ الكبير الذي يكره الله لعباده المؤمنين أن يرتكسوا فيه، إذ يقولون مالا يفعلون.

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان» متفق عليه.في رواية لمسلم «وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم».

إن حسن إسلام المرء ليس في القيام بالعبادات فحسب، وإنما بانفعال نفسه بتعاليم الإسلام وأخلاقه الرفيعة وقيمه العليا أيضاً، بحيث لا يصدر عنها إلا ما يرضي الله عز وجل، فلا إخلاف بالوعد، ولا خيانة للعهود والمواثيق في حياة المسلم الصادق، لأن ذلك كله منافٍ لأخلاق الإسلام وأهله، ولا يوجد إلا في أخلاق المنافقين والمنافقات.

من هنا،كان على المسلم ألا يكذب على أولاده ويعدهم ثم يخلف الوعد، فيغرس بأفعاله هذه في نفوسهم بذور الكذب والإخلاف بالوعد.

وعليه،أيضاً،أن لا يستهتر بالوفاء بالوعد وإلا دخل في زمرة المنافقين،«إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا». (النساء:

١٤٥) إن الإسلام هو دين الوفاء بالعهود، والمسلم إذا قال كلمة، أو وعد وعداً، أو أعطى عهداً أو أقسم قسماً فالواجب الذي يحتمه عليه دينه أن يصدق في حديثه، وأن ينجز وعده، ويفي بعهده، ويبر بقسمه، حتى يكون من المؤمنين.

و من لم يحافظ على هذه الأخلاق التي أمر بها القرآن والسنة دخل في زمرة المنافقين الذين تكذب أفعالهم أقوالهم،وينافي سلوكهم مقتضى إيمانهم، وحمل القرآن بشدة على الذين يتهاونون في العهود

وينقضونها بعد ميثاقها، «إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ». (آل عمران: ٧٧).

واعتبر النبي صلى الله عليه وسلم نقض العهد من شعب النفاق، وخصال المنافق الأساسية «أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كان فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها» وذكر منها: «إذا عاهد غدر» متفق عليه من حديث عبد الله بن عمرو.

ولا يتصور مسلم ملتزم بدينه أن يقطع على نفسه عهداً أو ميثاقاً، ثم ينكث العهد وينقض الميثاق ويدخل في زمرة من ذمهم القرآن الكريم أشد الذم وأبلغه في مثل قوله تعالى:«وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ».(الرعد: ٢٥). يستوي

في هذا أن يكون التعامل مع المسلمين ومع غير المسلمين، فالأخلاق عند المسلم لا تتجزأ، ولا تتفاوت ولا تتناقض.

* مدير الجامعة القاسمية بالشارقة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"