«الدرايش».. روح البيت الإماراتي

02:31 صباحا
قراءة 3 دقائق

الشارقة: أمل سرور

تؤدي النوافذ، أو كما يلقبها الأجداد «الدرايش»، التي تطل على الخارج والداخل وتفصل بين مستويين وفضاءين، دوراً مهماً في توفير الأمان لساكن البيت الإماراتي. حيث يدخل منها الضوء والهواء، فأصبحت روح البيت. والباب والنافذة كلاهما جزء لا يتجزأ من المنزل أو البيت الذي يجسد العمارة الإماراتية. النوافذ لا تنحصر وظيفتها المباشرة في إدخال الضوء والتهوية وأشعة الشمس في فصلي الصيف والشتاء، فحسب، بل باتت تتمتع بوظيفة خاصة في غرف ومجالس النساء.

النافذة تلك التي يشعر المرء ما إن يطل منها بحرية وأمل وتفاؤل وكأنه يرى مستقبله البعيد وقد بات بين يديه.

ولعل هذا ما يفسر تناول العديد من نصوص الأدب في العصر القديم والحديث على حد سواء للنوافذ في سطورها بمعانٍ ومضامين مختلفة، بل وأغان نشدت الشبابيك والستائر خلفها بأحوال وآمال، وربما امتلأت الساحة الفنية التشكيلية بالنوافذ، فيما بدت «درايش البيوت» في الشعر الشعبي الإماراتي عيوناً مفتوحة على المدى.

«الدرايش» لعبت دوراً مهماً في المنزل الشعبي القديم، سواء أطلت على المنزل أو على الشارع، إذ كان الأجداد يزودون الحجرات بفتحات في الطوف، لها وظيفتان هما إدخال الضوء والتهوية في الصيف، وإدخال أشعة الشمس في الشتاء. وكانت آنذاك تصنع من أخشاب الأشجار المحلية على شكل مستطيل يمر به صف من قضبان الحديد الطولية المرتبة بشكل أفقي. وكانت بعض «الدرايش» تصنع بأشكال وأحجام مختلفة بحسب الحاجة، فمنها حجرية تحفر في الجدار نفسه وهي نادرة، ومنها خشبية تعَشق بالحديد وتكون على باحة البيت في الأدوار السفلية، ولا تكون على الشارع إلا في الأدوار العلوية وتكون من درفتين، ومنها ما يزين البيوت من الخارج «الزرانيق» وهي بمثابة التاج.

وتتعدد طرق صنع النافذة «الدريشة» من عدة أخشاب محلية أو مستوردة، وأهم تلك الأخشاب خشب شجر الأثل والقرم والجندل. ونشكلها -غالباً- من «درفتين» كل واحدة مكونة من ساقين ورأس عالٍ ورأس في الأسفل، وتختلف السماكة بحسب نموذج الباب التراثي، وغالباً تكون السماكة 5 سم وبينها حشوة بسماكة 3 سم على أن يكون عرض القوائم حوالي 8 سم، إضافة إلى الرأسين العالي والأسفل، وغالباً ما يكون لها «سنادة» من الخشب.

وهنا يظهر جلياً عمل الحرفيين الذين تفننوا في بناء النوافذ، حيث يقومون بتفصيل عوارض طولية تسمى «الساقات»، أما العوارض الأفقية فتسمى «الرؤوس»، ويتم الوصل بين الساقات والرؤوس بتعشيق الألسن مع بعضها أو بواسطة النقر واللسان، وهذا الأخير عبارة عن قطعة خشب مبسطة تخرج من الرؤوس وتدخل في حفرة على مقاسها تماماً تسمى النقر. وبعد إنجاز نجارة «الدريشة» سواء كانت بدرفة أو بدرفتين يقومون بنقش سطحها وتشكيل الزخرفة المراد تطبيقها عليها، إلا إذا كانت معشقة بقضبان الحديد أو مزينة بالمعدن أو يدخل الزجاج في تركيبها. وبعد الانتهاء من تركيب «الدريشة» في جدار الغرفة أو المجلس يقومون بتركيب القبضات، أو القفل وباقي الإكسسوارات في مكانها وفق التصميم التراثي الذي كان سائداً قديماً.

أشكال وأحجام

«المنشرة» من الأدوات التي كان يستخدمها النجارون في صناعتهم «للدرايش»، وهي التي يتم نشر الخشب بسماكات ووضعيات متعددة، ثم «الرابوب» لتشذيب الخشب بسماكات محددة، وهناك «الرندج» وهو عبارة عن آلة التسميك لقشر الطبقات الرقيقة من الخشب وتنعيمه. و«المنقرة» لعمل النقور في الساقات، و«الفريزة» لحفر النقوش والزخارف على سطح «الدرايش»، فضلاً عن مجموعة من البسامير الكبيرة والمعادن التي قد تزين درفات النوافذ.

ويقدم الباحث علي بن حسن، وهو استشاري التراث في «نادي تراث الإمارات»، دراسة خاصة عن النوافذ يقول فيها: «كانت الدرايش تصنع بأشكال وأحجام مختلفة، منها حجرية تحفر في الجدار نفسه، ومنها خشبية تعشق بالحديد وغالباً ما تكون هذه النوافذ في الأدوار السفلية وتطل على باحة البيت».

ويقول بن حسن إن البيت الشعبي القديم كان يأخذ شكل المربع وفي وسطه ما يشبه شمسية صغيرة مكشوفة بشكل جزئي على الشمس وتسمى «الليوان» وأما الجزء المغطى فيسمى «الحوي» أي الحوش، فناء البيت الذي تطل منه أبواب الغرف «الحير» وأحياناً يكون الباب الرئيسي ويسمى «الدروازة»، أما الغرف والمجالس فكان لمعظمها «درايش» لها شكل طولي مستطيل قد تكون مقنطرة في أعلاها أو معشقة بالزجاج، ونادراً ما تكون مربعة الشكل، يتسلل من خلالها الضوء والهواء، فكانت بذلك روح البيت.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"