عواصف «عسكرية» تهدد العلاقات الروسية - التركية

02:32 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد فراج أبو النور*

تلبدت سماء العلاقات الروسية - التركية بسحب داكنة خلال الأسابيع الأخيرة؛ بسبب الخلافات حول التطورات الجارية في ليبيا وسوريا، وبصورة أخص؛ بسبب التطورات المرتبطة بالغزو التركي لليبيا.
ألغى وزيرا الخارجية والدفاع الروسيان (لافروف وشويجو) زيارة كانت مقررة لهما إلى تركيا للاجتماع بنظيريهما التركيين (الأسبوع الماضي) بصورة مفاجئة من دون تحديد موعد لاحق للزيارة، وجاءت هذه الخطوة بعد أيام من حديث هاتفي مطول بين الرئيسين الروسي بوتين والتركي أردوغان (في 10 يونيو/‏حزيران الجاري) لم تفلح الصياغات الدبلوماسية في إخفاء ما اتسم به من تباعد في المواقف كان من المفروض أن يعمل لقاء وزارتي الخارجية والدفاع على تقريبه.
ووسط هذه الأجواء المتوترة؛ جرت إذاعة تصريحات نارية لأردوغان، فرق فيها بين الحدود «المادية والوجدانية» لتركيا، وادعى أن الحدود «الوجدانية»، (وهو ما يمكن قراءته: الحقوق التاريخية لبلاده) تدخل فيها ليس الموصل وكركوك والحسكة وحلب وحمص فحسب؛ بل وأيضاً.. القرم والقوقاز الروسيتان، فضلاً على مصراتة الليبية، وأكد أردوغان أنه لا بد من إعادة كتابة تاريخ تركيا على هذا النحو، وتدريسه للتلاميذ الأتراك بدءاً من المرحلة الابتدائية (الحديث موجود على يوتيوب).
وإذا كان إعلان أردوغان - أثناء زيارة له إلى أوكرانيا- أنه يعد القرم أرضاً أوكرانية، قد أثار غضباً واسعاً في روسيا، فلنا أن نتصور تأثير تصريحاته الأخيرة بشأن القرم والقوقاز!
التدخل التركي متزايد الاتساع في ليبيا لم يكن محل اتفاق مع موسكو، خاصة في الأشهر الأخيرة، حينما تزايدت بشدة أعداد المرتزقة الإرهابيين السوريين الذين تنقلهم تركيا إلى طرابلس ومصراتة، فضلاً عن الجسرين الجوي والبحري إلى حكومة السراج.
ومعروف أن شركة «روسنفط» الروسية لها استثمارات في حقول غاز شرق المتوسط، والأهم من ذلك فإن روسيا لديها مصالح استراتيجية في دعم وجودها العسكري في مياه شرق المتوسط عموماً، وليس قبالة السواحل السورية فقط، كما كان لديها تسهيلات بحرية كبيرة في عهد القذافي. وبدهي أن تنظر موسكو بعدم الارتياح إلى تغلغل تركيا في ليبيا، لما يمثله من إخلال واسع بموازين القوى في شرق المتوسط.
وإضافة إلى ذلك كله فقد تعاملت روسيا مع أردوغان طويلاً في سوريا، وعرفت مدى إمكانية التزامه بوعوده؛ لذلك فقد كان منطقياً أن تنطر بعدم ارتياح لتغلغله في ليبيا، وهو ما يجعلنا غير ميالين إطلاقاً للقبول (بالتحليلات) القائلة بوجود صفقة بين موسكو وأنقرة في ليبيا، مقابل تنازلات تركية في سوريا، خاصة مع الانتصارات التي حققتها القوات السورية والحليفة بمساعدة القوات الروسية في منطقة إدلب، ومع نجاح روسيا في (تحجيم) الوجود التركي شرق الفرات.

أردوغان.. ونشوة «النصر»

ثم إن المكاسب العسكرية التي حققتها القوات التركية والميليشيات الإرهابية التابعة لها في غرب ليبيا، وتصريحات أردوغان حول ضرورة «تحرير بقية البلاد، واستبعاد حفتر من أي محادثات للسلام»، قد أثارت المزيد من القلق لدى موسكو، وهو ما دعاها للمسارعة بالإعلان عن ترحيبها «بإعلان القاهرة» الذي طرحه الرئيس السيسي بوجود رئيس البرلمان الليبي وقائد الجيش المشير حفتر (6 يونيو/‏حزيران الجاري) وبالدعوة لوقف إطلاق النار.
الترحيب العربي والدولي الواسع الذي قوبل به «إعلان القاهرة» أثار حفيظة أردوغان، خاصة لما نص عليه الإعلان بوضوح من ضرورة حل الميليشيات الإرهابية، وتسليم أسلحتها للجيش الوطني، وتشكيل مؤسسات للسلطة بالتوافق بين الفرقاء الليبيين جميعاً.

من سرت للجفرة.. خط أحمر

ومعروف أن السيطرة على «الهلال النفطي»- الذي تمثل سرت بوابته الغربية- كان الهدف الرئيسي التالي لأردوغان وحلفائه في عملياتهم العسكرية، إضافة إلى موقع الجفرة الاستراتيجي باتجاه الجنوب.. وقد نجح الجيش الوطني الليبي في صد هجمات قوات أردوغان/‏ السراج على الموقعين. ثم كان إعلان الرئيس السيسي أن خط (سرت/‏ الجفرة) هو خط أحمر للأمن القومي المصري والليبي، والدعم الواسع لهذه الخطوة من جانب مشايخ القبائل الليبية، وتعهدهم بالقتال في حال تجاوز قوات أردوغان/‏ السراج هذا الخط الأحمر، كان ذلك (فرملة) لأحلام أردوغان في السيطرة على موارد ليبيا النفطية. ومع التأييد الدولي (والروسي) لاستمرار وقف إطلاق النار، فإن الهجوم على منطقة «الهلال النفطي» سيمثل شرارة لإشعال صدام مع الجيش المصري، وهو صدام ليست تركيا مستعدة له عسكرياً- في الوقت الحالي على الأقل- كما أنه سيكون محل إدانة دولية واسعة للغاية.. وكل هذا يثير حفيظة أردوغان أكثر ضد روسيا.. كما يدل على أن حديث «الصفقة» غير صحيح.

خلافات في سوريا

الخلافات حول التسوية في سوريا والموقف من نظام الرئيس الأسد، قديمة بين موسكو وأنقرة.. خاصة حول الوجود الإرهابي في إدلب، الذي يحميه نظام أردوغان. ومعروف أنه كما أن التدخل الروسي في سوريا منذ سبتمبر/‏أيلول 2015 قد قلب موازين القوى في البلاد، فإن هذا التدخل هو الذي ساعد القوات السورية وحلفاءها على تحقيق انتصارات متتالية في منطقتي إدلب وحلب الكبرى، وتحرير الجزء الأكبر منها، بصورة خاصة عبر الدعم الجوي الروسي المكثف.. كما أن الدعم الروسي هو الذي ساعد على (تحجيم) الأطماع التركية في شرق الفرات، ونقل القوات الروسية إلى المنطقة، الأمر الذي يعد مكسباً استراتيجياً كبيراً لدمشق.
والآن يحاول أردوغان استغلال الأجواء المحيطة ببدء تطبيق «قانون قيصر» الأمريكي ضد سوريا، ويدفع بحلفائه وعملائه الإرهابيين؛ لشن الهجمات على القوات السورية في إدلب.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"