الكوفة.. راحة الفاتحين بالقرب من الفرات

بلغت أوج عظمتها في العصر الأموي
03:21 صباحا
قراءة 4 دقائق

الكوفة ثانية المدن العربية التي أنشأها الفاتحون المسلمون بعد بناء البصرة بعامين. وبنى سعد بن أبي وقاص الكوفة عام 19 ه /‏138 م في الجانب الغربي من نهر الفرات، وعلى بعد بضعة أميال من الجهة الشمالية الشرقية من مدينة الحيرة القديمة.
ويذكر الطبري في تأريخه (أخبار عام 18هجرية) في سبب بناء الكوفة، أن سعد بن أبي وقاص، بعد أن فتح العراق، وتغلب على الفرس، ثم نزل في عاصمتهم المدائن، بعث وفداً إلى الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يخبره بذلك الفتح. ولما وصل الوفد إلى عمر رأى ألوانهم تغيرت، وحالهم قد تبدلت، سألهم عن سبب ذلك فأجابوه: تخوم البلاد غيرتنا، فأمرهم بأن يرتادوا منزلاً ينزل فيه المسلمون، لأن العرب لا يلائمهم طقس بلد إلا إذا جاء ملائماً لمزاج إبلهم، وكتب إلى سعد «ابعث سليمان وحذيفة رائدين ليرتادا منزلاً بحرياً ليس بيني وبينكم فيه بحر ولا جسر».
وارتاد سليمان، وحذيفة، جانبي الفرات نزولاً من الأنبار، فلم يجدا أفضل من موقعها لحصانته، ولطبوغرافيتها، وارتفاعها، بحيث لا يردها ماء الفيضان، ولقربها من ماء الفرات.
وسميت بالكوفة كما جاء في كتاب «تاج العروس» لاستدارتها، وقيل بسبب اجتماع الناس فيها، وقيل لكونها رملية حمراء، ولاختلاط ترابها بالحصى، و(الكوفان) هو الدغل من القصب، والخشب.
كان تخطيط المدينة دائرياً غير منتظم، وعلى الأغلب أنها سُنة عمرانية مورست من قبل في مدن العراق قبل بناء بغداد، فقد وجدت في آشور، والحضر، قبل ذلك، بسبب ما يوفر من اقتصاد في المساحة، وعقلانية في توزيع الأحياء، واتصالها بالمركز. أما بيوت الكوفة فاختيرت لها مادة القصب الأولية في البناء، نظراً لوفرتها في المنطقة، وكذلك سهولة تنفيذ الحجر منها بخبرة محلية موروثة من أيام السومريين. وكانوا استخاروا الخليفة عمر، فسألهم وما القصب؟ فأجابوه: «العكرش إذا روي قصّب فصار قصباً»، فأعطاهم حرية هذا الاختيار، بالرغم من عدم معرفة الفاتحين به، لكن الحريق الذي وقع في الكوفة، والبصرة، بعد عام واحد من ذلك، أحالها إلى رماد، واحترق في الكوفة ثمانون عريشاً. واستأذنوا عمر البناء بالطين (اللبن)، فأجابهم عارفاً وناصحاً: «افعلوا ولا يزيد أحدكم على ثلاثة أبيات ولا تطاولوا في البنيان والزموا السنة تلزمكم الدولة».
وأول ما اختط من الكوفة مسجدها الأعظم، ودار الإمارة، وبيت المال.

تخطيط قبلي

كان تخطيط مدينة الكوفة يقوم على أساس قبلي، وجعلت لكل قبيلة محلة خاصة سميت باسمها، كما دعيت الشوارع الرئيسية باسم تلك القبائل أيضاً، واتبع هذا النظام في تخطيط مدينة البصرة، أي أن المجمع العمراني للمدينة وزع على سبعة أقسام سكنية، وفقاً للقيادات القبلية، تفصل بين هذه الأقسام السبعة طرق رئيسية بلغ عددها خمسة عشر نهجاً، اقتطعها سعد للقبائل المختلفة. وهذه الشوارع تشعبت من المسجد باعتباره مركزاً لها، وأمر الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، بأن يكون المسجد في قلب المدينة، وتكون دار الإمارة قريبة منه.
وكان قصر الإمارة يتصل بالمسجد من جهة القبلة.
وكان الفضل لزياد بن أبيه في استعمال الآجر (الطوب) كمادة رئيسية في بناء المسجد، ودار الإمارة، فأدخل بعض التحسينات والتعديلات على هذه المادة ليجعله أكبر، وأجمل مسجد إسلامي آنذاك.

دور جديد

في عهد الخليفة علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، أصبحت الكوفة عاصمة الدولة الإسلاميّة بدلاً من المدينة المنورة. ومن هنا كان لهذه المدينة دور آخر أكثر حيويّة من قبل، نظراً للأحداث الكثيرة الّتي تعرضت لها الأمة الإسلامية في ذلك الوقت، غير أنّ هذه المدينة لم تستمر لوقت طويل جداً باعتبارها عاصمة للدولة الإسلاميّة، فما لبثت العاصمة أن انتقلت إلى دمشق في بلاد الشام في عهد الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان، الّذي تولّى الخلافة بعدما تنازل الحسن بن علي، رضي الله عنه، عنها له. ووقعت أحداث واقعة كربلاء بالقرب من الكوفة التي ازدهرت في العصر الأموي، وتطوّرت، ونمت عام 691 من الميلاد، وكان الخليفة وقتها هو الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان. ودمجت مدينتا الكوفة والحيرة معاً، وأطلق عليهما اسم الكوفان.
ويذكر بعض المؤرخين أن قصر إمارتها خرب في زمن الخليفة العباسي المهدي، بعد أن كانت انتعشت المدينة، ووصلت أوج عظمتها في العصر الأموي، واضمحلت بعد بناء واسط، ثم بغداد.

علوم وآداب

ازدهرت في الكوفة مختلف العلوم والآداب، وتطور الخط العربي«الكوفي»، وفيها عاش ابن مسعود، ومعه تيار المحدثين في علم الكلام الذين سبقوا علم الحديث. وفي الكوفة ولد اتجاه الزهد والتصوف على يد الحسن البصري، وتطور علم التفسير والأخبار وجمع الشعر والإبداع فيه.
وفي العلوم برع جابر بن حيان في الكيمياء. وفي العلوم الدينية نشأت مدارس فقهية على يد الإمام جعفر الصادق، مؤسس الفقه الجعفري، وعلى يد الإمام أبوحنيفة النعمان، شيخ مدرسة الرأي في الفقه، وأبومخنف، أحد كبار المؤرخين العرب، والكسائي، شيخ مدرسة الصرف والنحو في الكوفة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"