عبد الرحمن فرامرزي البستكي.. ذو اللسانين

02:27 صباحا
قراءة 3 دقائق
بقلم:عبدالغفار حسين

الكتابة عن عبد الرحمن فرامرزي وسيرته الذاتية تحتاج إلى سفر، ولا نستطيع في عجالة وضمن تمهيد أو مقدمة أن نلم بشؤون هذه الشخصية التي كانت من ألمع الشخصيات الفكرية والثقافية خلال النصف الأول وجزء من الثلث الأخير للقرن الماضي، في إيران، وفي منطقة الخليج على وجه العموم، فهو الأديب والصحفي والكاتب والسياسي، الذي كان لقلمه طنين ورنين في أنحاء إيران صباح كل يوم على صفحات جريدة «كيهان» الإيرانية المعروفة. وكانت آراؤه التي يدونها في مقالاته الصحفية في هذه الجريدة التي كان يرأس تحريرها، موضع اهتمام ومتابعة من جميع أفراد المجتمع الإيراني، بالإضافة إلى مقالاته الأدبية والسياسية والفكرية التي كان يكتبها تباعاً، ونراها مبثوثة في كتب عديدة ألفها الأستاذ فرامرزي في حياته، رحمه الله.
وقد لد عبد الرحمن عبد الواحد فرامرزي في جنوبي إيران في قرية فرامرز من أعمال بستك بمنطقة فارس الواقعة بالقرب من ضفاف الخليج، فهو خليجي أصيل، وينتمي إلى أسرة من أهل العلم والمعرفة، فأبوه الشيخ عبد الواحد كان من كبار الفقهاء الشافعية في منطقة لارستان المحاذية لساحل الخليج، التي يغلب على سكانها اتباع المدرسة الشافعية في الفقه السنّي. وعاش أبوه الشيخ عبد الواحد فترة من الزمن في البحرين في كنف شيوخها وأهالي البحرين الذين كانوا يجلونه ويوقرونه، وسافر إلى مناطق أخرى من الخليج واعظاً ومدرساً.
وتتلمذ عبد الرحمن فرامرزي على يد والده الشيخ عبد الواحد ثم واصل دراسته للعربية والفقه الإسلامي على يد شيوخ العلم في الإحساء والبحرين، ومن شيوخه الشيخ أبو بكر الملا، أحد فقهاء الأحساء وعلمائها، وزميل أبيه الشيخ عبد الواحد. والشيخ أبو بكر الملا من الفقهاء المشهورين في الإحساء والبحرين، وقرأت عنه كثيراً في كتاب «شعراء هجر» الذي ألفه عبدالفتاح الحلو عن فقيه الإحساء الشيخ عبدالعزيز آل مبارك.
وأثناء وجوده في الخليج تفاعل فرامرزي مع أماني الأمة العربية في التحرر من ربقة الاستعمار الأجنبي، وكان يكتب مقالات مناوئة للإنجليز وينشرها في الصحف المصرية والإيرانية، مما حدا بالسلطات البريطانية في البحرين إلى إصدار أمر باعتقاله مع أخيه أحمد فرامرزي، فخرج الأخوان من البحرين وذهبا إلى طهران، حيث التحق عبد الرحمن بوظيفة تدريسية في وزارة المعارف الإيرانية.
وفي عام 1929، أصدر عبد الرحمن فرامرزي وأخوه أحمد فرامرزي مجلة أسمياها «التقدم»، بالإضافة إلى منصبه الذي كان يشغله رئيساً لإدارة توجيه المطبوعات. ولم تكد الأربعينيات من القرن الماضي تهل، حتى أصبح فرامرزي محط أنظار أهل العلم والأدب في إيران كلها، وتعاون حينئذ مع جماعة من الكتاب في إصدار جريدة «كيهان» المشهورة، حيث رأس تحريرها حتى وفاته..
وتعرض الاستاذ فرامرزي، رحمه الله، لكثير من المضايقات من السلطات الإيرانية، لآرائه السياسية الجريئة وللنقد الذي كان يوجهه لهذه السلطات، وكان يُمنع أحياناً من كتابة المقالات السياسية، فيقتصر على المقالات الأدبية..
وكان الأستاذ فرامرزي من ذوي اللسانين، الفارسي والعربي، تلكم اللغتين اللتين كان يتقنهما إتقاناً تاماً، متحدثاً وكاتباً، وكان على إلمام كثير باللغتين الإنجليزية والفرنسية أيضاً، وعمل لفترة أستاذ مادة الأدب العربي في جامعة طهران. واشتغل بالسياسة ورشح نفسه لعضوية البرلمان الإيراني عن أهالي جنوب إيران (فارس) واختير ممثلاً لهؤلاء الأهالي لأربع مرات متتالية..
لقد كان المرحوم فرامرزي من القلائل بين الكتّاب الإيرانيين الذين لهم إلمام بالفارسية والعربية على السواء، وساعده هذا الإلمام على دراسة الأدب باللغتين وعرف مدى تأثير إحداهما على الأخرى، ويظهر ذلك في كتابات الأستاذ فرامرزي ومؤلفاته العديدة، وأسلوبه الكتابي الذي كان يستقطب الألوف المؤلفة من القراء في بلاد فارس والخليج ولدى من يعرفون الفارسية..
ويسجل التاريخ السياسي للأستاذ عبد الرحمن فرامرزي وكذلك لأخيه أحمد، مواقف مشرفة في الدفاع عن الحق العربي في فلسطين وفي غيرها من المناطق العربية، وكان لآرائهما حول هذه القضايا تأثير عميق في الجماهير الإيرانية.
وكان الأستاذ عبد الرحمن فرامرزي، رغم بروزه في المجتمع الإيراني إبان وجودرضا شاه الكبير، ثم ابنه الشاه محمد رضا بهلوي، يقود سياسة مؤيدة للحقوق العربية ومتعاطفة معها، وكانت هذه المواقف تتعارض أحياناً مع السياسة الرسمية لإيران.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"