«خطاب الاتحاد».. برنامج ترامب الانتخابي

02:37 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. إكرام بدرالدين*

تشهد الولايات المتحدة تقليداً سنوياً يتمثل في قيام الرئيس الأمريكي بإلقاء خطاب حالة الاتحاد، وذلك في أوائل شهر فبراير(شباط) من كل عام، والمقصود بالاتحاد هو الولايات المتحدة باعتبارها دولة اتحادية، حيث يتضمن الخطاب مجمل الأوضاع الداخلية والخارجية وعلى مختلف المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية، والإيجابيات التي تحققت في العام المنصرم، والآمال والتوقعات المرغوب تحقيقها مستقبلاً.
يعتبر الخطاب بمثابة كشف حساب عن أداء الرئيس وإنجازاته وهو ما يتشابه إلى حد ما مع برنامج الحكومة في النظم البرلمانية، ويأتي خطاب الاتحاد هذا العام عقب مرور سنتين على تولي الرئيس ترامب لمهام منصبه، أي في منتصف فترته الرئاسية ما يجعل له أهمية خاصة لدى المواطن الأمريكي ويجعله يتخذ موقفه تجاه الرئيس من الناحية الانتخابية، حيث تشهد الولايات المتحدة انتخابات رئاسية جديدة بعد أقل من عامين، بينما يبدأ الاستعداد لها بعد أقل من عام، ولذلك يمكن اعتبار الخطاب بمثابة برنامج انتخابي. ومن المفيد الإشارة إلى أهم الموضوعات والقضايا التي أوردها الرئيس ترامب في خطابه عن حالة الاتحاد والتي تتمثل فيما يلي:

* أولاً: الأداء الاقتصادي الإيجابي والمتسارع، وهي القضية التي يركز عليها الرئيس ترامب كثيراً وتكررت الإشارة إليها في خطابات سابقة، وربما يمكن تفسير ذلك بخلفية ترامب باعتباره رجل أعمال ما يجعله يعطي أولوية كبيرة لحسابات المكسب والخسارة، والقضايا الاقتصادية المهمة المتعلقة بالنمو الاقتصادي، والبطالة، والتوظيف، والتشغيل، بل إنه في حالات متعددة يتعامل مع القضايا السياسية من منظور اقتصادي، ولذلك فقد أشار في خطابه إلى تحقيق إنجاز اقتصادي غير مسبوق وأسماه بالمعجزة الاقتصادية، وتمثل ذلك في خلق ما يقرب من ستة ملايين وظيفة جديدة، ووصول معدلات البطالة إلى أدنى معدلاتها وخصوصاً لدى الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية والأمريكية اللاتينية، كما أشار الرئيس في خطابه إلى أن معدلات الأجور ترتفع بطريقة غير مألوفة من قبل، وأن الاقتصاد الأمريكي ينمو بدرجة متسارعة تكاد تصل إلى ضعف ما كانت عليه منذ توليه الرئاسة منذ عامين، ويربط الرئيس في خطابه بين هذا الأداء الاقتصادي الذي أسماه المعجزة وبين قضايا سياسية وأمنية، فهو يرى أن هذه المعجزة الاقتصادية لا يمكن أن يوقفها سوى الانغماس في حروب خارجية، أو التحقيقات الداخلية، والرغبة في الانتقام.

* ثانياً: موضوع الهجرة غير الشرعية، وهو الموضوع الذي أولاه الرئيس أهمية كبيرة في خطابه وركز على ما تمثله هذه الهجرة من أعباء على الاقتصاد الأمريكي، ومنافسة للمواطنين الأمريكيين في العمالة والوظائف، مؤكداً على صواب قراره بخصوص الجدار العازل مع المكسيك، موضحاً أن الفكرة كانت قائمة من قبل وأنه اتخذ القرار بالتنفيذ، وربما كان يهدف من ذلك إلى جذب التأييد وخصوصاً من أعضاء الكونجرس لبناء الجدار مع المكسيك والموافقة على المخصصات المالية اللازمة والتي تتجاوز مبلغ خمسة مليارات دولار، والتي سبق أن اعترض الكونجرس على تخصيصها مما ترتب عليه حدوث أطول فترة إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة، وتلويح الرئيس باستخدام حالة الطوارئ موضحاً أن بناء الجدار يحقق فائدة اقتصادية وأمنية للولايات المتحدة.

* ثالثاً: قضايا السياسة الخارجية، حيث تناول الرئيس ترامب في خطاب حالة الاتحاد بعض القضايا المهمة المتعلقة بالسياسة الخارجية والموقف الأمريكي تجاهها وهي:
أ- إنهاء التدخل الأمريكي في سوريا والعراق وأفغانستان، وقد علل الرئيس ذلك بأنه قد تحققت إنجازات مهمة ضد تنظيم داعش في سوريا والعراق، وتحررت أغلب المناطق التي كان يسيطر عليها التنظيم، كما أعلن أيضاً أنه من المرغوب فيه سحب القوات الأمريكية من أفغانستان بعد مرور قرابة عقدين من الزمان على تواجدها، مشددا ًعلى أن الحروب لا تدوم إلى الأبد، ويربط بين السياسة الخارجية والاقتصادية من خلال التأكيد على أن المعجزة الاقتصادية يمكن أن يوقفها الانغماس في حروب خارجية، ويمكن القول إنه يقوم بعملية ربط واضحة بين توفير نفقات الحروب الأمريكية في الخارج واستمرارية الازدهار الاقتصادي الأمريكي.
ب- السياسة الأمريكية تجاه كوريا الشمالية: فقد أعلن الرئيس في خطابه أنه قد تم تحجيم السلوك العسكري الكوري في عهده، بعد أن كان هناك تصاعد في احتمال صدام عسكري بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، وأن الولايات المتحدة قد تمكنت من إعادة الرهائن، وإيقاف كوريا لتجاربها النووية، وتعمل الدبلوماسية الأمريكية على تحقيق السلام في شبه الجزيرة الكورية، ويمكن القول إن الأمور قد تتضح أكثر بالنسبة للملف الكوري عقب اللقاء المرتقب في 27 و28 فبراير بين الرئيسين الأمريكي والكوري والذي يعتبر اللقاء الثاني بينهما عقب اللقاء الأول في يونيو 2018.
ج- العلاقات مع الصين، حظيت الصين باهتمام الرئيس الأمريكي في إطار القضايا التي تناولها خطاب حالة الاتحاد، وربما التهديد الصيني هو تهديد اقتصادي في المقام الأول، نظراً لما تلجأ إليه الصين من سياسات الإغراق والمنافسة سواء في الأسواق العالمية أو داخل الولايات المتحدة ذاتها، وربما يمكن تفسير ذلك بأن الصين تسعى وربما في السنوات القليلة القادمة إلى أن تصبح الاقتصاد الأول في العالم بدلاً من المرتبة الثانية التي تحتلها الآن، وهو ما جعل الرئيس يشعر بالخطر الاقتصادي الذي تمثله الصين وخصوصاً نتيجة لخلفيته كرجل أعمال، واهتمامه الشديد بالأمور الاقتصادية وحماية الاقتصاد الأمريكي من المنافسات الاقتصادية الخارجية، وخصوصاً من الصين وهو ما سبق أن أعلنه في أثناء حملته الانتخابية الرئاسية، ولذلك يمكن القول إن الرئيس يحركه دائماً العامل الاقتصادي والذي ينعكس بوضوح على المواقف الأمريكية السياسية في عهده.

* رابعاً: الدعوة للتوحد السياسي، وربما هذه الدعوة موجهة بصفة خاصة إلى المعسكر المناوئ للرئيس ترامب وهو الحزب الديمقراطي وأعضاء الكونجرس عن الحزب الديمقراطي والذين اعترضوا على الاعتماد المالي اللازم لبناء الجدار العازل مع المكسيك، ما أدى إلى إغلاق جزئي للحكومة الأمريكية والتهديد باللجوء إلى إعلان حالة الطوارئ، ولذلك فقد أشار الرئيس إلى وجود ملفات مشتركة مع الديمقراطيين تتعلق بتحسين البنية التحتية، ومكافحة سرطان الأطفال وتخفيض سعر الدواء، ويمكن القول أيضاً إن الحزبين الجمهوري والديمقراطي يشتركان في الاستراتيجيات والأهداف طويلة الأمد وخصوصاً في مجال السياسة الخارجية، وأن ما قد يثار من اختلافات أو تعارض في وجهات النظر قد يتعلق بالنواحي التفصيلية، وآليات التنفيذ، فالسياسة الأمريكية في النهاية ترسمها المؤسسات لا الأشخاص ما يضمن الحفاظ على الحد المعقول من الوحدة والاتساق.
وأخيراً فإن العوامل المهمة المؤثرة في الولايات المتحدة في الفترة القادمة تتعلق بمدى القدرة على استمرارية الازدهار الاقتصادي، وإمكانية سحب القوات الأمريكية دون آثار سلبية، ونتائج الملاحقات القضائية التي يتعرض لها الرئيس.

*أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"