قطف «الهمبا» الإماراتية.. موسم الرزق والذكريات

03:25 صباحا
قراءة 4 دقائق
الفجيرة: بكر المحاسنة

موسم قطف المانجو الإماراتية «الهمبا» من المواسم التي ينتظرها الأهالي والمزارعون الإماراتيون بشوق وحنين، لما لهذا الموسم من ذكريات جميلة، ولما يحمل في طياته خيراً ورزقاً يمنحهم الرضى.
«الخليج» رافقت رحلة الوالد سيف راشد الدهماني، من أهالي منطقة ميدق بالفجيرة، وهو ممن عاصروا الآباء والأجداد في الماضي في موسم قطف الهمبا، حيث يستيقظ في ساعات الصباح الباكر بهمة عالية، ويتجهز بلباسه العربي الخاص بموسم قطف «الهمبا»، ويحمل زاد يومه من طعامٍ وشراب، ويحمل الأدوات التقليدية لقطف الثمار، ويذهب باتجاه مزرعته الواقعة بمنطقة ميدق المزروعة بأكثر من 100 شجرة من أشجار المانجو الإماراتية. في رحلته تلك، التي يسير خلالها على الأقدام مبتسماً مستبشراً برزقٍ وخير وفير، يرافقه معظم الأيام أحد أبنائه لمساعدته في عملية القطف.
يقول الدهماني: يبدأ موسم قطف الهمبا الإماراتية منذ منتصف شهر يونيو حتى نهاية يوليو من كل عام، وهناك بعض الأنواع الأخرى التي تثمر أكثر من مرة في السنة، ومنها من يحين موسم قطفه في منتصف سبتمبر.
ويضيف الدهماني: قطف ثمار «الهمبا» موسم سعادة وخير وبركة حيث أجد متعة كبيرة أثناء قطف المحصول. وللموسم طقوس معينة لا يكون له بهجة دونها، ومن بينها، تجمع أفراد العائلة والأهالي والأصدقاء لتقديم المساعدة وللمساهمة في القطف بهمة ونشاط، وكذلك ارتداء الملابس التراثية القديمة والخاصة بموسم قطف الهمبا، والتي كان يلبسها الآباء والأجداد في الماضي في مواسم جمع محصول الهمبا والتي تسهل من عملية التسلق على الأشجار العالية، بالإضافة لطقوس توزيع ثمار الهمبا على الأقارب والجيران.
ويؤكد أن موسم قطف الهمبا كان في الماضي بمثابة العيد للأهالي، التي تتجمع خلال أيام موسم القيظ في المزارع، لجمع محاصيل الرطب ولقطف ثمار الهمبا من على الأشجار وسط أجواء فرحٍ وسمر وأهازيج إماراتية قديمة، كما يرتبط موسم قطف الهمبا بذكريات جميلة لا تنسى لذلك أنتظر قدومه بفارغ الصبر وكلي حنين لحكاوي الآباء والأجداد وذكريات الانتقال إلى السكن في المزارع في مواسم القيظ، وذكريات تسويق الهمبا بواسطة الرحلات التجارية إلى مدن الساحل «الشارقة ودبي، ورأس الخيمة»، وغيرها من الذكريات الجميلة.
ويشير الدهماني إلى أن الهمبا الإماراتية والتي تسمى الهمبا العربي «بلدي» تتميز عن غيرها من أنواع الهمبا برائحة قوية وحلاوة ممزوجة بشيء من الحموضة المحببة، وتكون صغيرة ومتوسطة الحجم وذات ألوان خلابة ورائحة أخاذة.


أدوات مستخدمة


عن الأدوات التي يستخدمها في قطف ثمار الهمبا يقول الدهماني: كنا وما زلنا حتى وقتنا الحاضر نستخدم المخرافة التي تستخدم في جني الرطب وجنى الهمبا، كما نستخدم «الجفير» وهو عبارة عن وعاء من سعف النخيل يسفّ ثم يخاط على شكل دائري، كما نستخدم حبلاً من سعف النخيل يربط به الجفير لتنزل بواسطته الجفير بعد تعبئته بالهمبا، ونستخدم أيضاً «الزغلة» وهي عبارة عن وعاء من سعف النخيل يسف ويخاط على شكل مستطيل طوله من 25 سم إلى 35 سم وتوضع له عصا تسمى «زورة» تكون طولها حوالي من 3 إلى 4 أمتار وتستخدم لقطع حبات الهمبا من الشجرة.
من جهته يؤكد الوالد أحمد علي بن داوود، من أهالي منطقة الطيبة بالفجيرة، بأن متعة قطف الهمبا لا مثيل لها، حيث لا سعادة مثل هذه المناسبة، ولم تختلف طقوس هذه المناسبة منذ القدم، فإصرارنا على بقاء هذه الطقوس هو ما جعلها مستمرة، وبالرغم من التطور والتحضر الذي حدث إلا أننا ما زلنا محافظين على زراعة أشجار الهمبا الإماراتية والاهتمام بها حتى تثمر أجود وأفضل أنواع الهمبا، وما زلنا محافظين على طقوس موسم القطف من خلال تجمع بعض الأهالي أو الأصدقاء للمساعدة في قطفها، ونحرص أثناء القطف على تردد بعض الأهازيج الشعبية القديمة التي كان يرددها الآباء والأجداد في الماضي، كما نحرص على معاملة الشجرة معاملة حسنة حتى لا يؤثر ذلك في إنتاجها في السنة المقبلة، لأن معظم أشجار الهمبا في المنطقة تكون متوارثة عن الآباء والأجداد وتمثل لنا شيئاً كبيراً وإرثاً تاريخياً.
ويضيف أن مراقبة شجر الهمبا لا يبدأ فقط عند موسم القطاف، بل منذ أن تكون الشجرة صغيرة ويبدأ صاحبها برعايتها ومراقبة نوارها ونوعية الثمر.
الوالدة مريم علي الشحي، أم سيف، من أهالي منطقة مربح بالفجيرة تقول: هناك نوعان من المانجو الإماراتية، الأول يسمى «حدال» ويكون صغيراً وحامضاً وهو المانجو الأخضر غير البالغ، ويتم قطفه في شهر مايو والبعض يأكله مع ملح أو يقوم بعمل مخلل المانجو الأخضر، أما النوع الثاني يسمى الهمبا وتكون ناضجة وذات لون أصفر.
وتشير الشحي إلى أن موسم قطف الهمبا العربية كان يسمى بموسم تباشير القيظ، وكان أصحاب أشجار الهمبا في موسم القطف يقومون بتوزيع الهمبا على الجيران والأقارب والأصدقاء، وكان يسمى هدايا القيظ.


أشكال وأصناف


خالد سليمان بن جميع الهنداسي، الباحث في التراث الإماراتي يقول: يتميز المانجو الإماراتي والذي يطلق عليه في اللهجة المحلية «الهمبا»برائحته القوية و طعمه الفريد وقيمته الغذائية العالية، كما يمتاز أيضا بحجمه الصغير ولونه ما بين الأخضر والأصفر، وتنتشر أشجار الهمبا العربي بكثرة في المناطق الشرقية من الدولة في البيوت والمزارع، وهناك صنف آخر من المانجو يسمى «قراط» و«همبا دبا»و«الهمبا الكيني» و«الهمبا التايلاندي»،حيث تثمر شجرة «قراط» 3 أو 4 مرات طوال العام، وتكون بأحجام وألوان مختلفة وطعم حلو ولذيذ.
ويضيف الهنداسي: بحكم عملي سابقا في محطة أبحاث الفاكهة التابع لوزارة الزراعة، وزارة البيئة حالياً، كان هناك أكثر من 50 صنفاً من المانجو «المطعم» أو المركب منها «الهفوس» أو كما تسمى الفونسو وهناك «المانجو الباكستاني والزبدة وقلب الثور وخد الجميل وزعفران وتيمور دبشة وباكستاني وهندي ولانجرا، وهمبا الكيت والمصري والسكري». والكثير من الأنواع التي زُرعت في مناطق مختلفة من الدولة وأثمرت إنتاجاً وفيراً.
ويشير إلى أن شجرة المانجو التي تثمر ثلاث أو أربع مرات في السنة يطلق عليها «قراط» نسبة لمنطقة قراط في الفجيرة، وهي أول شتلة مانجو طُعمت في تلك المنطقة، ومنها انطلقت إلى الكثير من المناطق وأصبحت معروفة لدى المزارعين، كما أن الهمبا الأخضر يسمى «مقير وحدال»في الساحل الشرقي، أما في الساحل الغربي من الإمارات فيسمى «همبا خضر» وهو نوع من الهمبا العربي يفضل بعض الأهالي تناوله مع الملح، أو إعداده مع بعض الأكلات الإماراتية المشهورة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"