السدو.. إبداع مغزول من الطبيعة

نقوش الماضي
02:27 صباحا
قراءة دقيقتين
الشارقة: مها عادل

السدو، من حرف النسيج الإماراتية الشهيرة، والعريقة، ارتبط بأهل البادية منذ قديم الزمن، حيث استخدموه في صناعة الخيام، والمفروشات، وزينة الجمال، وكانت المادة المتوفرة للنسيج هي صوف الغنم، وشعر الماعز، ووبر الإبل، حيث تمر بعمليات طويلة تحتاج إلى الكثير من الصبر، والدقة، قبل أن تحولها أنامل النسوة الماهرات إلى قطع فنية تنبض بالجمال، وتتألق بالألوان.
تبدأ عملية صنع السدو بقص صوف الغنم، وشعر الماعز، وجمع وبر الإبل، وتصنف حسب اللون والطول، ثم يُنظَّف الصوف، ويغسل أكثر من مرة، حتى تصبح أليافه صالحة للنسج. وبعدها تبدأ عملية الغزل باستخدام المغزل اليدوي، ويُصبغ بالألوان الزاهية المستخلصة من النباتات والتوابل المتوفرة في البيئة المحلية، مثل الحناء، والكركم، والزعفران، والصبار، و«النيلة». ويتميز السدو التقليدي بألوانه المختلفة التي تتنوع بين الأسود، والأبيض، والبني، والبيج، والأحمر. وفي كل مراحل هذه العملية يقوم السدو بدور اجتماعي، إضافة إلى دوره الاقتصادي والفني، فهو نقطة التجمع التي تتجمع حولها النسوة، ويتجاذبن الحديث أثناء الغزل، وجرت العادة أن يُغزل الصوف، ويحاك في مجموعات صغيرة، حيث تتبادل النسّاجات الأخبار، والقصص، وعادة ما يقمن بالغناء، أو إلقاء الشعر، الأمر الذي يفسح المجال لازدهار فنون أخرى مثل فن التغرودة.
وبعد الغزل يبدأ دور النسيج الذي يتم على النول اليدوي، وهو آلة الحياكة التقليدية المصنوعة من النخيل، أو الخشب. ويحمل السدو اسمه من السداة، وهي الخيوط الرأسية في النول. ويتم اختيار النقوش والزخارف المستخدمة من البيئة المحلية، أو من الأشكال الهندسية التي تميز طراز الزخارف الإسلامية، أو أشجار النخيل، والأزهار، والإبل، والأغنام، والصقور، والآيات القرآنية، والمساجد، وأسماء القبائل.
ويحتل السدو مكانة خاصة في المجتمع الإماراتي، حيث يُعد من أبرز الحرف التي تلعب دوراً أساسياً في الحياة البدوية، ومثالاً ملموساً يعكس مدى براعتهم، وقدرتهم على التكيف مع بيئتهم الطبيعية. وتعد ممارسة النساء البدويات لهذه الحرفة إحدى المساهمات الاقتصادية القيّمة التي تقدمها للمجتمع، فضلاً عن الدور الرئيسي الذي لعبه السدو في الحياة الاجتماعية للمرأة الإماراتية. ونظراً لأهمية حرفة السدو، تمكنت دولة الإمارات في عام 2011 من إدراج الحرفة في قائمة «اليونيسكو» للتراث الثقافي غير المادي الذي يحتاج إلى صون عاجل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"