«المهق».. يسبب فرط التحسس للشمس

03:55 صباحا
قراءة 6 دقائق

تتعدد المشاكل الصحية التي تقف وراءها أسباب وراثية، ومن هذه الأمراض المهق، والذي يؤدي إلى وجود نقص كبير في إنتاج صبغة الميلانين، والتي تفرزها الخلايا الطلائية، ويتسبب عدم إفرازها في غياب جزئي أو كلي لتصبغات الجلد أو الشعر أو العينين.
وتوجد عدة مسميات تطلق على من يصاب بالمهق، مثل «عدو الشمس» والألبينو، ويؤدي هذا الاضطراب إلى جعل لون البشرة يبدو باللون الأبيض مثل الحليب، كما أن الرموش تكون طويلة وشقراء، ويعاني المصاب بهذا المرض حساسية شديدة ضد الشمس، والتي يمكن أن تصل إلى حروق الشمس في بعض الأحيان. ويعد علاج المهق صعباً للغاية، والهدف من الرعاية الصحية والعلاجية التي توجه للألبينو هو المحافظة على درجة الإبصار المتبقية، وتحسين الشكل الجمالي له، أو على الأقل تحقيق أفضل نتيجة بالنسبة للأمرين.
ونتناول في هذا الموضوع مرض «عدو الشمس» بكل تفاصيله، مع بيان العوامل والأسباب التي تؤدي إلى هذه الحالة، وكذلك أعراضها التي تظهر وتميزها، والمضاعفات التي يمكن أن تقود إليها، نقدم طرق الوقاية الممكنة التي ينصح بها الباحثون، وأساليب العلاج المتبعة والحديثة.

أنوع المرض

توجد عدة أنواع لمرض المهق، ويعد أبرزها العيني الجلدي، ويصيب الجلد والشعر والعينين، وينقسم إلى نوعين، السلبي التيروزيناز، وفيه يعاني المصاب عدم إنتاج الخلايا الطلائية لمادة الميلاينين، وبالتالي تصبح قزحية المصاب شفافة، ويميل شعره للون الأبيض.
وتكثر الإصابة بالنوع الثاني - وهو الموجب التيروزيناز - في البلدان الإفريقية، وفيه يكون شعر المصاب أكثر ميلاً للاصفرار، ولون القزحية بين الرمادي والأسود الفاتح.
وتشتمل أنواع هذا المرض كذلك على المهق العيني، ومتلازمة هيرمانسكي - بودلاك، والذي يقترن الإصابة به بأمراض الجهاز التنفسي أو الاضطرابات المعوية، كالتهاب القولون العصبي.

لون الحليب

يؤثر المهق في المصابين به، ويظهر ذلك من خلال مظهره العام، والذي يمكن أن يتسبب في حالة من النفور أو الاشمئزاز؛ بسبب اختلاف شكله عن الآخرين. ويكون جلد «عدو الشمس» مميزاً بلون مماثل للحليب الأبيض، ويمكن أن يراوح لون الجلد في بعض الأحيان من الأبيض إلى البني، وربما تماثل مع لون جلد أفراد الأسرة الطبيعيين.
ويلاحظ أن بعض المصابين بالمهق يكون لون الجلد ثابتاً منذ الولادة، ويكتسب الجلد في حالات أخرى لوناً تدريجياً في سني الطفولة والمراهقة، ويتغير اللون بصورة تدريجية، وبالذات عند التعرض البسيط للشمس.
ويؤدي نقص صبغة الميلانين لدى المصابين بالمهق - وهي التي تحمي الجلد من أشعة الشمس - إلى تأثر جسم الألبينو بشكل أكبر بالأشعة فوق البنفسجية، وهو ما يزيد من خطر إصابته بسرطان الجلد؛ حيث يهاجمه بصورة عنيفة.

أبيض وبني

يراوح لون شعر «عدو الشمس» بين الأبيض والبني، في حين أنه يمكن أن يكون يمل إلى الأصفر أو البني؛ وذلك بالنسبة للمنحدرين من أصول إفريقية وآسيوية.
ويمكن أن يتغير هذا اللون في مرحلة المراهقة، ويراوح لون العينين من الأزرق النيلي الفاتح إلى البني، وهو قابل كذلك للتغيير، فيصبح أحيانا أغمق مع التقدم في العمر.
وتكون قزحية العين لدى «عدو الشمس» شبه شفافة، وهو ما يتيح رؤية الشرايين التي تمر خلفها في الشبكية، ويمنح هذا الأمر العين لوناً أحمر في بعض الأحيان، والذي يماثل ما يرى في عيون الأشخاص في الصور الفوتوغرافية.
ويعاني الكثير من المصابين بالمهق عدم اكتمال النمو في مركز الإبصار؛ ولذلك فيمكن أن يعانوا بشكل كبير مشاكل الرؤية، فأحياناً يكون هناك قصر نظر، وأحياناً أخرى يكون هناك طول نظر.
ويمكن أن يعاني كذلك حالة استجماتزم، أو حساسية شديدة للضوء، أو رأرأة العين، وهو ما يعرف بالعين الراقصة؛ حيث لا يقدر على تثبيت حركة العين، وبالتالي يصاب بالحول.

مرض وراثي

يعد المهق أحد الأمراض الوراثية، والذي ينتقل للأزواج الذي يحملون جيناً متنحياً للمهق، ويبلغ معدل الإصابة في الأبناء من 1 إلى 4، وهو النموذج الأغلب على زواج الأقارب.
وتنتشر الإصابة بهذا المرض في مختلف أنحاء العالم، كما أنه يصيب مختلف الأعمار، وتتساوى معدلات الإصابة بالمهق بين الذكور والإناث، إلا أن المهق البصري يمكن أن يصيب الذكور بمعدل أكبر؛ ولأن المرض يعد وراثياً فإنه غير معدٍ.
وتبلغ نسبة الإصابة بالمهق البصري مقارنة ببقية الأنواع من 10% إلى 15%؛ وذلك لأن الميلانين يكون مفقوداً بصورة رئيسية في العين، وربما يبدو الجلد والشعر في هذه الحالة طبيعيين.
ويعاني المصاب في هذا النوع من رأرأة العين، وهي هزة منتظمة لمقلة العين ذهاباً وإياباً، ويمكن أن يكون معها حول أو لفتة للوجه في أحد الاتجاهات، مع ضعف في قوة الإبصار، ويكون تصحيح هذه الحالة باستخدام النظارة الطبية صعباً.

تصبغ الجلد

تشتمل الإجراءات الخاصة بتشخيص الألبينو على فحص تصبغ الجلد والشعر، وفحص العين بدقة، ويجري الطبيب مقارنة لتصبغ جلد الطفل بأعضاء الأسرة الآخرين.
وينبغي عرض الطفل على طبيب عيون؛ وذلك لإجراء فحص عين، والذي يتضمن تقييم الرأرأة والحول ورهاب الضوء، ويجري كذلك فحصا للشبكية، والتعرف إلى أي علامات لتطور غير طبيعي، ومن الممكن أن تساعد الاستشارة الوراثية في تحديد نوع المرض وطريقة وراثته.
ويهدف علاج المهق إلى توفير عناية مناسبة للعين ومراقبة الجلد للبحث عن أي مظاهر شاذة؛ وذلك لأنه لا يتوافر علاج لهذا الاضطراب الوراثي.
ويمكن أن يشمل فريق العلاج طبيب رعاية أولية وآخر مختص عيون وطبيب أمراض جلدية، إضافة إلى أطباء في الوراثة.

فحص سنوي

تشمل رعاية العيون فحصاً سنوياً؛ حيث يصف الطبيب عدسات تصحيحية، ومن الممكن أن يوصي الطبيب بإجراء جراحة في عضلات العين؛ وذلك حتى يقلل من الرأرأة إلى أقل حد ممكن، وإن كان هذا الإجراء قليلاً للغاية، ومن الممكن أن يلجأ إلى جراحة لتصحيح الحول، والتي ربما جعلت من الحالة أقل ملاحظة.
وتشمل العناية بالبشرة تقييماً سنوياً للجلد؛ بهدف الكشف عن أي آفات ربما كانت السبب في الإصابة بالسرطان، وكذلك الاكتشاف المبكر للأورام الخبيثة، ومن الممكن أن يظهر ما يعرف بالورم الميلانيني، وهو شكل عدوائي من سرطان الجلد، ويكون كآفة جلدية ذات لون وردي. ويحتاج في العادة من يعانون من متلازمة هيرمانسكي بودلاك إلى رعاية متخصصة ومنتظمة؛ وذلك حتى يتم تلبية احتياجاتهم الطبية، وأيضاً منع أي مضاعفات.
وينصح باستشارة طبيب في أمراض الوراثة؛ وذلك بهدف تفادي أن يتكرر ظهور هذا الاضطراب في الأسرة مرة أخرى، كما أن زيارة الطبيب النفسي مهمة، حتى يوفر الدعم النفسي للمريض والأسرة؛ بسبب ما يتعرض له الألبينو من تنمر مجتمعي، وهو ما يضطر الأبوان إلى عزل الطفل.

إجراءات للتعايش

ينصح المصاب بالمهق بتجنب التعرض لأشعة الشمس شديدة الخطورة، أو التعرض لمدة طويلة، كالتعرض للشمس في منتصف النهار أو في الارتفاعات العالية، أو في الأيام التي لا يكون فيها أي سحب كثيرة، وعند الاضطرار للتعرض لها فيجب استخدام الكريمات التي تقي منها.
ويمكن ارتداء الملابس الملونة والقمصان طويلة الأكمام، وذات الياقات، وكذلك السراويل الطويلة والجوارب، والقبعات ذات الحواف العريضة؛ وذلك بهدف الحماية من الأشعة فوق البنفسجية.
ويوفر ارتداء النظارات الشمسية حماية للعينين من الأشعة فوق البنفسجية، وكذلك العدسات الضوئية، والتي يتغير لونها إلى اللون الداكن عند تعرضها لضوء ساطع.

اضطهاد مجتمعي

يعاني الأشخاص المصابون بمشكلة المهق في إفريقيا من الاضطهاد، هذا ما خلصت إليه دراسة ألمانية حول الخرافات الاجتماعية وكيفية نشأتها وتأثيرها على التعايش المجتمعي في دول كثيرة من هذه المنطقة.
وأشارت الدراسة إلى أن المجتمع في بعض البلدان الإفريقية ينظر إلى الطفل «عدو الشمس» على أنه ثمرة علاقة للأم مع رجل أوروبي.
ووجد الباحثون أن الخطر الثاني الذي يتعرض له الألبينو الاعتقاد المنتشر أن أعضاء جسد المصاب يمكن أن تجلب الثروة، وهو الأمر الذي يعني أن حياتهم في خطر.
وضم الفريق الذي قام بالدراسة باحثين من 5 مجالات، هي العلوم الاجتماعية وعلم الأعراق والدراسات الأمريكية وعلوم المسرح واللغويات.
وتسببت المعاناة التي يلقاها المصابون بهذا الداء في بعض المجتمعات في حدوث بعض الكوارث، حيث تعرض للقتل ما يزيد على 650 مصاباً بالمهق نتيجة للتمييز العنصري، ما جعل منظمة الصحة العالمية تخصص يوماً يتم الاحتفال فيه بالمصابين والتوعية بطبيعة هذا المرض، مع الدعوة للاعتراف بهم والتضامن معهم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"