فاجعة أم

01:22 صباحا
قراءة 3 دقائق
أبوظبي: آية الديب

حضرت جلسة المحاكمة مرتبكة متوترة عيناها تمتلئان بالدموع والتساؤلات.. تطيل النظر إلى قفص الاتهام حيث يوجد ابنها، وكأنها تلومه وتودعه في آن واحد، فهو متهم بالقتل وقد يحكم عليه بالقصاص قتلاً، وما أن نادى قاضي محكمة الجنايات اسم ابنها حتى وقفت تطالب بإعدامه والقصاص منه وإيقاع أقصى عقوبة عليه.
أثار تصرف أم المتهم استغراب كل الحاضرين، حيث يقف الآباء والأشقاء والأهل في قاعات المحاكم عادة يدافعون عن ذويهم، ويطلبون النظر إليهم بعين الرأفة والرحمة آملين في رؤيتهم مجدداً واحتضانهم والاستئناس بوجودهم، إلا أن ما تردد على مسامع حضور الجلسة كان لغزاً محيراً.
توقفت عن الحديث لدقائق ثم توجهت بالحديث إلى قاضي المحكمة قائلة: انفصلت عن زوجي منذ سنوات طويلة ولم أفكر في الزواج بعد طلاقي منه على الرغم من العروض الكثيرة من رجال آخرين، إلا أن فرحتي كانت كبيرة برؤية ابني وابنتي يكبران أمام عيني يوماً تلو آخر، وكنت لهم الأم والأب معاً، وكانا لي عوضي في هذه الدنيا، ومع ثقل أعباء الحياة غادرت بلدي العربي، وقدمت إلى أرض الإمارات أرض الخير لأتمكن من الإنفاق عليهم وتوفير عيشة كريمة لهم، وبعد أن كبرت ابنتي بدأت عروض الزواج تأتي لها، ولكن شقيقها كان يرفض دائماً أي عرض، وفي البداية كنا نظن أنه يريد لها زوجاً من أبناء جنسيتها، أو زوجا غنياً، إلا أنه مع تعدد المتقدمين للزواج منها أدركنا أنه يختلق العيوب في كل منهم، وفي مرة تقدم لها شخص مناسب حظي بقبول كبير منها، لكننا وقفنا عند المشكلة نفسها كيف نقنع شقيقها به لأنه حتماً سيرفضه مثل سابقيه، فعلاقاته النسائية الكثيرة ولا مبالاته أفقداه الثقة في كل النساء والرجال، وبات يخاف علينا خوفاً مميتاً ولا يثق في أي إنسان، حتى أمه وشقيقته.
اتفقت مع ابنتي على أن تقابل هذا الشخص وتخبره بأنه سيحتاج إلى فترة يقنع فيها ابني بأنه شخص سوي وتنصحه بأن يتقرب من شقيقها كصديق أولاً قبل أن يطلب منه التقدم إلى شقيقته، وكانت حذرة وخططت للذهاب لمقابلة الشاب في وقت لا يكون فيه ابني موجوداً في المنزل إلا أن الحذر لا يمنع القدر.
تصادف أن ابني كان موجوداً في المكان نفسه ورأى شقيقته تجلس مع رجل غريب، لكنه حينها لم يحرك ساكناً، بل عاد إلى المنزل ينتظرها لتنال عقابها، وما إن وصلت إلى المنزل بعده بدقائق حتى هجم عليها وانهال عليها ضرباً، وعندما حاولت إنقاذها بكل ما أوتيت من قوة وتوسلت إليه أن يرحمها ويستمع على الأقل ليعرف من يكون الشخص الذي رآها معه، لم يلتفت إلى قولي وتوسلاتي، بل أعمى الغضب عينيه وأصم أذنيه، ولم يهدأ إلا بعد أن أمسك بقطعة حديدية وضرب بها رأس شقيقته فسقطت أرضاً، وراح يبكيها بدموع باردة.
كيف لي أن أطالب ببراءة شخص عذَّب ابنتي وقتلها أمام عيني؟ من منا يستطيع تحمل الفاجعة في أبنائه؟ هو مخطئ وأذنب ولابد أن ينال عقابه.
حينها طالب المحامي المنتدب من المحكمة للدفاع عن ابنها بمنحه مهلة وتأجيل نظر الدعوى للتواصل مع والد الضحية في بلدهم الأم، ليطلب منه العفو عن ابنه حتى يتمكن من المطالبة بتخفيف العقوبة، فاستجاب القاضي لطلبه، وأغلق ملف القضية بعد أن قصّت الأم على الحاضرين واقعة تقشعر لها الأبدان.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"