خريطة مستعادة لكتّاب رواد

02:22 صباحا
قراءة 6 دقائق
يوسف أبو لوز

(١)

لا تهدف هذه المادة إلى رفع ظلم النقد الأدبي لمرحلة الثمانينات الشعرية والقصصية في الإمارات، فهي لا تقدم قراءة نقدية لنصوص أو بعض نصوص تلك المرحلة، وإنما ترسم خريطة مستعادة لذلك الجيل، من حيث رموزه وتجاربه «في الشعر وفي القصة» وتعطي إلى حد ما صوره عن بعض الظواهر الفنية التي نجمت عن شعر وقصة تلك المرحلة، وتشير بعامة، إلى فضاءات الشعر والقصة، وبعض المحاولات النقدية العربية التي واكبت تلك الفضاءات، وبالتالي، تطرح هذه المادة السؤال الكبير والذي ربما لم يطرح للمرة الأولى عند العودة إلى جيل ثمانينات الأدب في الإمارات وهو: من يرفع ظلم النقد الأدبي التي (جار) على ذلك الجيل، ويقدم قراءة نقدية واسعة الحدود والأطراف للأدبين القصصي والشعري لتلك المرحلة الثمانينية، فإن طالعنا ذات يوم مثل هذه القراءة، عندها نقول بارتياح إنه أعيد الاعتبار للأدبين القصصي والشعري لثمانينات القرن العشرين في الإمارات، وهذه الكتابة الآن، وبعد نحو أربعين عاماً على الظهور الأول لذلك الجيل، ما هي سوى محاولة للتشجيع على رفع ذلك الظلم، وهم في ضوء المرحلة التي ظهروا فيها يعتبرون رياديين في الشعر والقصة، ومع ذلك فإن بعضهم لا يزال وإلى اليوم يغذي الحياة الثقافية الإماراتية بشيء من روح إبداعية ذلك الزمان، والبعض انسحب من الكتابة وتوارى في الظل وهامش النسيان، والبعض أكلته الصحافة، والبعض انتقل إلى جوار ربه.

(٢)

قبل رسم خريطة تلك المرحلة الثمانينية، هناك مدخل زمني يفرض نفسه هنا، وهو الإشارة إلى السبعينات، أو أواسطها أو نهاياتها، فالسبعينات من القرن العشرين شهدت ولادة رواية ومجموعة قصية هما أول إنتاج أدبي في الإمارات، وهما رواية: «شاهندة»، والمجموعة القصصية «الخشبة».

رواية «شاهندة» كتبها راشد عبدالله النعيمي، وصدرت في عام ١٩٧١، وكثيراً ما يشار في الريادة الروائية في الإمارات إلى راشد عبدالله النعيمي.

أما أول مجموعة قصصية في الإمارات فهي «الخشبة» لعبدالله صقر، وصدرت أول مرة في عام ١٩٧٥، لكنها صودرت، لتصدر مرة ثانية في عام ١٩٩٩ من بيروت، واللافت هنا، طالما نحن نتحدث عن النقد الأدبي، أن هذه المجموعة بعد صدورها الثاني حظيت بقراءات نقدية عدة من بينها دراسة للناقد عزت عمر المواكب للحياة الثقافية في الإمارات منذ ثمانينات القرن العشرين.

مدخلنا السبعيني إلى الثمانينات شعراً وقصة لا يقتصر على راشد عبدالله النعيمي، وعبدالله صقر، فلدينا أول كتاب صدر عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات في عام ١٩٨٦ بعنوان: «كلنا، كلنا نحب البحر» الذي يضم نصوصاً قصصية لكتاب وكاتبات ظهروا في الإمارات في سبعينات القرن العشرين، ويحق لهؤلاء لقب الريادة قبل ريادة الثمانينات، لكنهم لم يحظوا بأي قراءة نقدية مثلما حظيت «شاهندة»، و«الخشبة» فالكتاب يضم قصصاً نشرت وبالتالي كتبت في السبعينات: خطوط في جدار الزمن قصة لخليفة شاهين (١٩٧٩)، الرحيل قصة لشيخة الناخي (١٩٧٠)، وبذلك تكون شيخة الناخي، أسبق من عبدالله صقر، ولها حق الريادة تاريخياً وموضوعياً من خلال قصة (الرحيل)، قصة «الزنزانة» لعبدالرحمن الصالح (١٩٧٩)، وقصة «شادي» لعبدالعزيز خليل (١٩٧٩)، وقصة «عاشق الجدار القديم» لعلي عبدالعزيز الشرهان (١٩٧٩)، وقصة «ضحية الطمع» لعلي عبيد علي (١٩٧٢)، وقصة «الباحثون عن لا شيء»، لعلي محمد راشد (١٩٧٨)، وقصة «يوم في حياة موظف صغير» لمحمد المرّي (١٩٧٤)، وقصة «الاتجاه» لمحمد ماجد السويدي (١٩٧٦) وقصة «ذكريات وأماني» لمظفر الحاج مظفر (١٩٧١).

إذاً، واستناداً إلى كتاب «كلنا،كلنا نحب البحر» الذي اعتبره وثيقة أدبية، فإن عشرة من كتاب القصة القصيرة من الجنسين ظهروا في السبعينات من القرن العشرين، وبالتالي، نحن نتحدث عن جيل قصصي إماراتي سبعيني لم يكن عنده تقلدياً بالمرة، وعندما يكتب حول تاريخ القصة في الإمارات، فإنه، وللأسف، لا يُشار إلى ذلك الجيل السبعيني مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الأسماء السبعينية كانت تكتب محاولات قصصية أولية إرهاصية ينقصها الكثير الكثير من النضج الفني والأدبي، لكن مع ذلك، شئنا أم أبينا، نحن أمام نصوص منشورة وموثقة، وتستحق القراءة في إطار سياقها الزمني من دون أن نحمّلها ما لا تحتمل من النظريات ومن المصطلحات.

كتاب «كلنا، كلنا نحب البحر» كان مقتصراً على القصة القصيرة فقط، لكن إذا أردنا أن «نُحقّب» للشعر المعاصر في الإمارات، فيمكن الإشارة إلى الشاعر الريادي في الإمارات حديثاً أو معاصراً وهو د. أحمد أمين المدني، ففي السبعينات، وتحديداً، في عام ١٩٧٣، أصدر د. المدني مجموعته الشعرية «أشرعة وأمواج»، لكن، تاريخياً، أصدر د. المدني مجموعة سابقة هي مجموعته الشعرية الأولى «حصاد السنين» وكان ذلك في عام ١٩٦٨.

تتداخل الأجيال، كما تتداخل التجارب الشعرية، فجيل الثمانينات أو بعض من نشر شعره وقصصه في الثمانينات كان قد كتب هذا النتاج الأدبي في نهاية السبعينات، ومن هؤلاء، أو على رأسهم الشاعر حبيب الصايغ الذي يشكل فاصلة إبداعية مضيئة بين نهاية السبعينات، وأوائل الثمانينات.

(٣)

قبل وبعد الكتابة عن خريطة الثمانينات، أعتذر سلفاً عن نسيان أي اسم سواء لشاعر أو لشاعرة أو قاص أو قاصة من جيل الثمانينات، فهم الجيل المؤسس الحقيقي لبنية الثقافة الأدبية الحديثة في الإمارات، وظهر هذا الجيل مع ظهور المؤسسات الثقافية المحلية والاتحادية.. وأيضاً وهذا مهم جداً ظهر هذا الجيل مع ظهور الصحافة الثقافية الإماراتية وصفحاتها اليومية والأسبوعية (الملاحق)، وبكلمة ثانية، جيل الثمانينات الأدبي الشعري والقصصي في الإمارات هو جيل الحضور اليومي في أداء المؤسسات، وأداء الصحافة وهو جيل غزير.

هذه الغزارة نعاينها بالطبع في الأسماء وفي غزارة الشعر أولاً، حبيب الصايغ، أمينة ذيبان، عارف الشيخ، عارف الخاجة، ظبية خميس، أحمد راشد ثاني، عبدالعزيز جاسم، عادل خزام، ثاني السويدي، نجوم الغانم، خالد البدور، خالد الراشد، صالحة غابش، ظاهن شاهين، كريم معتوق، محمد بن حاضر، إبراهيم محمد إبراهيم، سالم بوجمهور، جمعة الفيروز الذي يكتب الشعر والقصة.

ويجب الإشارة هنا إلى أن هناك شعراء وشاعرات يكتبن القصة، وهناك قصاصون يكتبون الشعر، هناك من يكتب العمودي والتفعيلي، وهناك من يكتب التفعيلي والنثر، هذه ملاحظة ترقى إلى كونها ظاهرة فنية أو أدبية في الثقافة من المفترض أن يتوقف عندها النقد الأدبي.

الغزارة الثانية، هي الغزارة القصصية: ناصر جبران، ناصر الظاهري، إبراهيم مبارك.. وبالمناسبة يكاد هؤلاء بشكل خاص أن يشكلوا (ثلاثياً) قصصياً في ثمانينات القرن العشرين، وكان تنافس الظاهري، وجبران، ومبارك، واضحاً من خلال حيوية كل منهم في مجال القصة القصيرة وفي حين كان مبارك والظاهري قاصين فقط، كان ناصر جبران يجمع بين القصة القصيرة، والشعر قبل رحيله كتب رواية.

من الغزارة القصصية الثمانينية: سلمى مطر سيف، مريم جمعة فرج، أمينة بوشهاب، عبدالحميد أحمد، جمعة الفيروز.

على هذه القائمة الثمانينية نهضت البنية الأدبية الشعرية والقصصية في الإمارات، في وقت كانت فيه الحداثة الشعرية العربية في أوجها أو في ذروتها، وصعدت تجارب عربية قصصية إلى الذرى: يوسف إدريس «مصر»، محمد خضير «العراق»، غسان كنفاني «فلسطين» وغيرهم من علامات قصصية عربية قرأها واقترب منها تماماً ذلك الجيل القصصي، كما قرأ نظيره الشعري علامات شعرية عربية ساطعة في الثمانينات لها جذورها الريادية القديمة: السياب، البياتي، أدونيس، ممدوح عدوان، أنسي الحاج، صلاح عبدالصبور، حسب الشيخ جعفر، أمل دنقل، أحمد عبدالمعطي حجازي.. وغيرهم.

قرأ الجيل الشعري الإماراتي التراث الشعري الستيني والسبعيني والثمانيني (تفعيلة وقصيدة نثر) وقرأ هذا الجيل ترجمات إلى العربية من الشعر الفرنسي، والإنجليزي، والأمريكي، والروسي، في ذروة الحداثة أيضاً، واقترب جيل الثمانينات في الإمارات بفضل الترجمات من المصطلحات التي كانت آنذاك أشبه ب«مانشيتات» الصحافة الثقافية العربية: البنيوية، الدادائية، السوريالية، الواقعية، الرومانسية، الحداثة، ما بعد الحداثة.. وغير ذلك من مصطلحات ومفاهيم.

سمات واضحة

كان من السهل على الناقد الأدبي أن يعاين، وبسهولة منظومة من الظواهر الأدبية والفنية والاجتماعية والثقافية في النصوص الشعرية والقصصية الثمانينية، وتتمثل تلك الظواهر في «ثيمات» منظورة لأي قارئ نقدي أدبي، ومن ذلك على سبيل المثال: الحنين إلى الماضي، وتحديداً الحنين إلى زمن الغوص، وثقافة البحر، وأيضاً ثقافة الصحراء. في الثمانينات أيضاً شهد المجتمع الإماراتي ما يُسمى الفورة الاقتصادية المالية والتنموية التي هي امتداد للنمو الاقتصادي الكبير في سبعينات القرن العشرين، وإلى جانب ذلك وفود العمالة الأجنبية الكبيرة إلى الإمارات، وبالتالي ظهور قضايا اجتماعية، وثقافية، وإنسانية، وكانت القصة القصيرة بشكل خاص أكثر الفنون تصدياً أو حَمْلاً لهذه القضايا المجتمعية، والتي كان بوسع الناقد الأدبي أن يضع قلمه أو يده عليها بكل سهولة، ويقرأها قراءة تحليلية مهنية، لكن ذلك لم يحدث إلا في حدود قليلة جداً تبدو هامشاً ضئيلاً في المتن الأدبي القصصي والشعري الغزير في ثمانينات الثقافة الإماراتية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"