نساء تحت نيران الطوارئ

أكدن غبتهن في تكرار نموذج “أم الإسعاف”
12:42 مساء
قراءة 7 دقائق

تصادف أن يكون يوم حريق القوز الذي أبلت فيه أم الإسعاف جميلة الزعابي مجهوداً ضخماً باسعاف وتمريض ما لا يقل عن 60 حالة من المصابين في الحريق، متزامنا مع استعدادات مركز خدمات الإسعاف التابعة لإدارة الخدمات والتجهيزات بشرطة دبي لحفل تكريم أول دفعة من فنيي الطب الطارئ وعددهم 14 مسعفا ومسعفة من المتخرجات حديثاً من قسم طب الطوارئ بتقنية دبي والمنضمين عمليا قبل 4 سنوات إلى خدمة المركز.

بعد تكريم جميلة الزعابي من قبل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي اتجهت الأنظار إلى المسعفات اللواتي يعتبرن طائفة من أصحاب المعاطف البيض الذين يتلمسون أوجاع الناس ويقدمون لهم في طريقة حانية يد المساعدة غير منتظرين لأجر تجاه ما يقومون به، سوى كلمة بسيطة تعبر لهم عن مكانتهم الحقيقية في المجتمع الذي يعيشون فيه.

ومن خلال هذا التحقيق التقينا عددا من هؤلاء الشابات العاملات اللواتي انتقلن رسميا إلى جوار أم الإسعاف في نفس مهنتها الإنسانية لتلقي بلاغات الإصابات المتنوعة بين حوادث السير والتدهور والحرائق التي أصبحت علامة من علامات المهنة.

في البداية أكدت جميلة الزعابي أم الإسعاف أنها كانت بمثابة الأم والقدوة، معتبرة أن ذلك أمر طبيعي في أن تكون مثلا بين الزملاء والزميلات وقالت: للمسعفات تحديدا كنت بمثابة الأم التي تزرع فيهن بذرة حب العمل في نفوسهم لنستطيع القيام بخدمة الوطن الذي نحبه، ورسمت في ذلك خطى ثابتة وأساسيات ليسير الناس من بعدي على نفس الطريق الذي رسمته تلك القدوة، كأي إنسان تمنيت أن أكون في المقدمة ليس من أجل الجوائز بل من أجل التكريم والتحفيز، ومن الصعب ان أصف مشاعري بزيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد لبيتي فكانت اكبر من أحلامي وطموحاتي، فمن قبل تمنيت أن أقف على المسرح وأتسلم من سموه جائزة في التميز، كالكثيرات اللاتي سبقنني، ولكني وجدت سموه عند بيت جميلة، فكانت أكبر من أعظم جائزة، واعتبرت أن الفخر ليس للمسعفات وحسب بل هو لكل النساء العاملات، من سموه وخاصة لمن تحب العمل والمثابرة، مشيرة إلى أن المجتمع مليء بالجميلات في أخلاقهن وعملهن.

وجميلة أول مسعفة إماراتية، وتمارس المهنة منذ 13 عاماً، ودرست التمريض بمعهد التمريض في أبوظبي، وأكملت دراستها في أستراليا، إذ تخصصت في طب الطوارئ، وهي أم لولدين وجدة لطفلتين، وتعمل في مركز خدمات الإسعاف في دبي.

وعن قلة عدد العاملات في مركز خدمات الإسعاف كشفت أن قلة العدد بسبب البداية المتأخرة لقسم طب الطوارئ بتقنية دبي والتي أفرزت 14 مسعفا ومسعفة قائلة: هذا العام نحن بصدد التحاق 25 مسعفاً ومسعفة والبقية تأتي.

وكانت جميلة قد أدت دوراً بطولياً، وفق وصف رجال الدفاع المدني، في إنقاذ ضحايا حريق القوز إذ ظلت في موقع الحادث من الساعة الثامنة صباحاً حتى الثانية من صباح اليوم التالي، تبحث عن المصابين بين ركام النيران وتسعف المختنقين والمصابين من جراء الحريق، وأنقذت 60 مصاباً من العاملين ورجال الدفاع المدني الذين شاركوا في إطفاء النيران، إضافة إلى مشاركتها السابقة في إسعاف المصابين في حادث الحوض الجاف، وحريق سيارات غنتوت.

أول من تحدثنا معهم من مجموعة المسعفات الأخريات منى عثمان عبدالقادر المسعفة في مركز خدمات الإسعاف في دبي، وقالت: التحقت بالدراسة النظرية في 2003 وتخرجت في 2006 وبدأت العمل رسميا في نوفمبر/تشرين الثاني 2007 الماضي، وطوال فترة الدراسة كنت أمارس العمل التدريبي الميداني في نفس المجال لفترة كبيرة تزيد على 4 أعوام. وأضافت: قبل الالتحاق بهذا العمل، عملت في مجال التمريض وحصلت على دبلوم عال في التمريض من مدرسة التمريض بأبوظبي، ثم التحقت ببرنامج الطب الطارئ الذي وفرته لنا كلية التقنية بالتعاون مع مركز خدمات الإسعاف بناء على تشجيع من والدي ووالدتي وكان برنامجا جيدا وجديدا.

وتضيف: المهنة ليست سهلة أو هينة بل شاقة جدا، ففي مجال التمريض الذي عملت فيه من قبل، كان مع عدد محدود من المرضى حالاتهم محفوظة وأدويتهم أحصيها في شكل روتيني، أما في مهنة الإسعاف فإنها أول من يتلقى البلاغ وأولهم نزولا لموقع الحادث ومطلوب مني إعداد تقرير عن حالة المريض مما يضعني في مسؤولية صعبة.

وعن توزيع المسؤوليات كشفت منى ان زوجها توفي منذ 5 سنوات وهي أم 3 بنات ووالدتها تشاركها رعاية بناتها، ولكن المسؤولية في النهاية تقع على كاهلها، لافتة إلى أن هذا النمط هو الشيء الوحيد الذي يترتب على عملهن بسبب نظام المناوبات الذي ليس له مواعيد محددة لدرجة أنهم لا يلتقون أبناءهم إلا قبل المدرسة أو نائمين.

وقالت: تعودت على المشاهد المختلفة كوني ممرضة قبل أن أكون مسعفة ثم إن الفترة التي أمضيتها حررتني من هذا الخوف الذي تعانيه ويعانيه بعض من يعملن مع لون الدماء وأشكال الإصابات، وحالات كثيرة مرت عليّ وأصعب شيء حوادث الأطفال وأثرها كبير في نفسي بحكم أني أم وبناتي ما زلن فتيات صغيرات وعندما أرى طفلاً في حادث أشعر أنه ابني وأن ما أصابه أصاب إحدى بناتي وحتى بعد انتهاء دوامي وخروجي للشارع يظل عندي ذعر عندما أرى طفلاً لم يربط حزام الأمان أو طفلاً جلس في المقعد الأمامي أو أخرج يده من السيارة.

ولم تنس منى أن تشيد بما تقوم به ام الإسعاف في التخفيف من صعوبة المهنة قائلة: عمل جميلة لمدة 13 سنة جعلها تقف في حوادث معينة مثل الرجال، وأكن لها كل الاحترام وكشفت منى أن علاقة طاقم المسعفات تمتد لما بعد الدوام.

وقالت سعيدة بطي سعيد المسعفة في المركز: حصلت على دبلوم عال في الطب الطارئ في يونيو /حزيران 2007 الماضي، ولكني التحقت فعليا بالعمل في برنامج الطب الطارئ في 2004 تقريبا والبداية كانت من خلال ما أعلن عنه في الصحف، وأخبرني أهلي عن هذا المجال الجديد وأحببت أن أتقدم إليه لأنه مجال جديد وجيد كما أن من طبيعتي حب مساعدة الغير، ووجدت أن العمل متعب وفيه بعض الصعوبات خاصة في البداية.

وأضافت: مرت علينا حوادث كثيرة لأطفال ونساء شتى، فكان منها الصعب المؤثر خاصة رؤية لحظات الضعف الإنساني في هذه الأحداث، آخر ما شاركت به كان حادثا مروريا في المساء وعندما وصلنا لموقع الحادث وجدنا المصاب يعاني من كسور بالغة وحالة إغماء وقمنا بعمل اللازم له ولكننا لم نستطع نقله بسبب الزحام وتخوفنا من أن نتأخر في الوصول للمستشفى فاتصلنا فورا بخدمة الإسعاف الطائر.

أما أول حادث تعاملت معه فمازلت أتذكره، وأشارت إلى أنه كان حادث باص عمال وكانت عربتها هي ثاني عربة إسعاف تصل لمكان الحادث وكانت أول مرة ترى هذا العدد من المصابين، ولكنها حاولت اسعافهم بشكل سريع في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

وأكدت أن وظيفتهن في الأساس خدمة المريض إلى الدرجة الممكنة من خلال إجراءات الإنقاذ وجعل حالته مستقرة حتى الوصول للمستشفى، مشيرة إلى أن عملهن لا يقتصر على الحوادث بل يمتد إلى الحرائق والدهس والتدهور وجميع الحالات المرضية الأخرى، لافتة إلى أن داومهن يستمر طوال الأسبوع ومن خلال مناوبات متغيرة بما يجعل من المهنة مكتملة أركان الصعوبة، لكنها نفت أن يكون الإسعاف مهنة شاقة، وأنها كذلك على من لا يخلص لها، أما من يحبها ويجد فيها متعة مساعدة الناس وعمل الخير الذي يبقى، فإنه لن يجدها مهنة شاقة.

وعن الموازنة بين العمل والواجبات الأسرية، قالت: لدي ولد وبنت والحمد لله يقدر زوجي وأبنائي عملي ويشجعونني على الاستمرار فيه ولكن أحيانا توجد تضحيات مثل عدم الاجتماع على الطعام مع الأولاد ورغم تفهم زوجي وأبنائي لوضع عملي إلا أني أشعر بالتقصير في حقهم وأحاول قدر المستطاع أن أزور أهلي وأجلس مع أولادي.

واعتبرت أن جميلة الزعابي بمثابة أم وأخت وقدوة حيث كانت الوحيدة في الإسعاف منذ 6 سنوات وأن تأثرها بها شديد من جانب شخصيتها واتخاذها القرارات معربة عن أمنيتها أن تصل ولو إلى جزء مما وصلت إليه.

نوال مراد قالت بعد انتهاء الثانوية العامة قررت الالتحاق بالبرنامج بعدما أعلن عنه في الصحف وكان نتيجة نصيحة وتشجيع والدي في أواخر 2003 م، وحاليا أمارس عملاً خفيفاً في المركز بسبب كوني مربية لطفل رزقت به منذ أسابيع قليلة، ودوامي حاليا مكتبي وقبل 4 سنوات نزلت إلى الميدان وحتى الأيام الأولى من حملي.

ولفتت إلى أنها تحاول بالتأكيد الموازنة بين متطلبات البيت والعمل، مشيرة إلى أنها عندما اختارت هذا المجال، عرفت أنه يمكن أن تكون مشغولة قليلا والأمور بالنسبة لها منضبطة في البيت ومن ثم الدوام بكامل لياقتها والأمور تسير بشكل جيد، وأكدت أن زوجها ووالدته وكل من في البيت يشجعونها على الاستمرار، وزاد الأمر قوة بعد تكريم أم الإسعاف.

وقالت: استفدت من ماما جميلة كثيرا، ما قصرت معي، هي القدوة الحقيقية لنا من قبل ويوم أن التحقنا بالبرنامج عرفنا أين هي جميلة، فكانت أول وجه نراه وهي توجهنا كأم بتوجيهات ونصائح غالية، وعن الصعوبات التي واجهتها وكيف تغلبت عليها، أشارت نوال إلى أنها واجهت بالفعل صعوبات عدة في بداية العمل من اللغة التي نتعامل بها فهي تتقن اللغة العربية والإنجليزية ولكن أغلب الحالات التي نتعامل معها من الهنود البسطاء الذين يتحدثون فقط اللغة الهندية وحاولت التغلب على هذه الصعوبة بالتعبيرات الحركية ولغة الإشارات.

واعترفت أنها في بداية عملها مطلع العام 2005 أفزعها لفترة غير قصيرة وما زالت تتذكر رجلا يحترق من جراء حادث أمام عينيها ويصرخ بردوني بردوني. كما لم تنكر مشقة العمل الذي يقع عليهن قائلة: مهنتنا شاقة لكن اليوم ليس هناك مستحيل على المرأة، المجالات كلها اقتحمتها ومن أولويات عملها المجال الإنساني.

أصغر مسعفة

أصغر عضوات مركز خدمات الإسعاف سناً علياء حسين الماس وأحدث الخريجات الملتحقات بالبرنامج، أكدت أنها منذ البداية لم تكن تحب الإسعاف أو تعرف شيئا عن خدماته، ولكن والدها ووالدتها سمعا بخبر افتتاح برنامج الطب الطارئ بتقنية دبي وأخبراها لتقديم أوراقها في مركز خدمات الإسعاف الذي كان يتلقى الطلبات آنذاك، وقبلت وأنهت 4 سنوات من الدراسة والتحقت ميدانيا وعمليا في صيف ،2004 في البداية كان الامر صعباً خاصة في أن تقوم الفتاة بأشياء غير معتادة مثل علاج وإسعاف مثل هذه الحالات الصعبة التي مرت على جميع من التحق بهذا البرنامج، إضافة إلى شيوع أقوال منها أن المجال لا يستوعب الفتيات وأنها لا تتحمل المواقف الصعبة التي قد تتعرض لها، ولكن أسرتها ممثلة بأبيها وأمها شجعاها وقالا أنت تستطيعين وتقدرين على المواصلة. وقررت ما دمت بدأت في شيء فلا بد أن أكمله.

وقالت: وظيفتي هي تلقي البلاغات والوصول لمكان الحادث وتقديم الإسعاف للمصابين وتقديم ما يحتاجونه للحياة والتعافي، ومع العمل الميداني والعملي تعودنا على اتخاذ القرار المناسب والمطلوب لكل حالة على حدة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"