تحايل على القانون

02:28 صباحا
قراءة 3 دقائق
كتب: أمير السني

تحفل ساحات المحاكم وحياة الأطراف التي تلتقي فيها بقصص تعكس في جانب منها الصراعات القديمة المتجددة بين الخير والشر، بين الطمع والقناعة، بين نفوس ترتوي بظلم الآخرين وأخرى تنفق شهوراً، وربما العمر كاملاً، بحثاً عن حق. في تفاصيل هذه الصراعات تحاول العدالة ما استطاعت أن تكون صاحبة الكلمة العليا لتستقيم الدنيا، وفي ثنايا المواجهات بين الأطراف المتخاصمة تتدفق المفاجآت والعبر.
بدأت أوضاع (ر.أ) المادية تتدهور بعد وفاة زوجها الذي ترك لها خمسة من البنات والأبناء في مراحل الدراسة وأقساط المدرسة ومواصلاتها، إضافة إلى المدرسين الخصوصيين ودورات التقوية لولدها الكبير الذي يستعد لدخول المرحلة الثانوية، وابنتها التي دخلت الجامعة بتفوق وحازت منحة مالية للدراسة وهو ما خفف عن الأم تكاليف الدراسة الجامعية مع أن البنت تحتاج إلى مصروفات خلال وجودها في السكن الداخلي.
مقابل تلك الاحتياجات لم تجد (ر.أ) طريقة لسد حاجتها وسعت للبحث عن مصدر رزق يساعدها على محنتها ويغطي طلبات الأبناء المتزايدة كل يوم، ولكن ليست لديها مؤهلات جامعية لكي تحصل على وظيفة راتبها جيد، فقد تركت التعليم مبكراً ولم تكمل دراستها كما أنها تزوجت صغيرة ولم تشجع نفسها على مواصلة الدراسة بعد أن خلفت الأبناء الخمسة، وازدادت المسؤولية عليها في تربيتهم، ولم يعد لديها وقت حتى للتفكير في ذلك.
بدأت (ر.أ) في عمل مأكولات شعبية لبيعها في الأسواق الخيرية لزيادة دخلها، لكن هذا العمل كان يعود عليها بعائد بسيط وموسمي، إذ لا تتوفر تلك الأسواق إلا في حال قيام المهرجانات في فترات محددة خلال العام، وعثرت على إعلان عن حاجة إحدى رياض الأطفال لمشرفة، فذهبت والتقت بإدارة المدرسة وبعد إجراء معاينة لها تم تعيينها مقابل أجر لا بأس به يعينها على الحياة الصعبة التي تواجهها، واستمرت في عملها الذي ينتهي في الظهيرة حيث تعود إلى المنزل لتباشر مهام رعاية أبنائها، وكل تفكيرها هو زيادة الدخل الذي لا يكفي مع متطلبات الحياة التي تزداد كل يوم ومطالب الأبناء التي لا تتوقف، وهي تحاول جاهدة أن تفعل ما في وسعها لحل تلك المشكلة بالتفكير في طريقة لزيادة الدخل وصارت وظيفتها في المدرسة بجانب إعداد الطعام وبيعه في الأسواق الخيرية تساعد لكن لا يزال الدخل لا يكفي، وبناء على نصيحة جارتها ذهبت إلى مقر الجمعية الخيرية التي تساعد الأرامل والتقت بالموظفين وحكت لهم عن حالها باعتبارها أرملة تواجه ظروفاً سيئة ولا مقدرة لها على دفع مستلزمات أبنائها في المدارس، ولما وافقت الجمعية على مساعدتها لم تتمالك نفسها فدمعت عيناها من الفرح، بعد أن أحست وكأن جبلاً عن رأسها قد زال وبأن الأمور في طريقها إلى الحل، ونزولاً عند طلب الجمعية عادت إلى البيت وأعدت الأوراق وشهادات ميلاد أبنائها حتى يدخلوا في كفالة الجمعية وسلمتها لها، وبعد أسبوع بدأت المعونة الشهرية تصل إليها في المنزل، وتحسنت حالها كثيراً، واستمر الوضع على هذه الحال حتى كبر الأبناء وتخرج الابن والبنت الكبرى من الجامعة وحصل كل منهما على عمل وأصبحا يساعدان والدتهما على الإنفاق على الأسرة.
وعلى الرغم من تحسن أوضاع العائلة وتجاوز اثنين من أبنائها السن القانونية، استمرت الإعانة الشهرية إلى أن اكتشف المدققون في الجمعية أن من أبناء (ر.أ) من تجاوز السن القانونية، وذلك من خلال جمع المعلومات عن الأسرة وبمراجعة الأوراق والمستندات اكتشف مدققو الجمعية أن هنالك تزويراً في شهادات ميلاد الابن والابنة، ففتحوا بلاغاً جنائياً في مواجهة الأم التي أرادت أن تستفيد من ذلك الدخل الشهري رغم أن أبناءها الكبار تخرجوا من الجامعة وشغلوا وظائف محترمة لكن الطمع أعماها.
تم تحويل (ر.أ) إلى المحكمة التي واجهتها باعترافها أمام النيابة العامة، وقضت بحبس المتهمة ثلاثة أشهر وإبعادها خارج البلاد عقب انتهاء المدة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"