نادي الكتب الرديئة

03:09 صباحا
قراءة 6 دقائق
 القاهرة: مدحت صفوت

تحتفي الصحف والدوريات العالمية دوماً بأنواع عدة من قوائم الكتب وعلى نحو دوري، مثل قوائم الأكثر مبيعاً أو قوائم الأفضل جودة، وأخيراً قوائم الأكثر سوءاً، فيما تكاد تكون الصحف العربية لا تهتم بهذه القوائم باستثناء «الأكثر مبيعاً» التي تظهر خلال مواسم ثقافية محددة، كمعارض الكتب أو «جردة نهاية العام».

أسبوعياً تنشر الجرائد والدوريات الغربية المرموقة مثل «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» و«جارديان» قوائم بعناوين أسماء الكتب الأكثر مبيعاً، وهي قوائم تتنافس عليها الإصدارات الغربية؛ إذ يعني الوصول إليها ضمانة من الانتشار الواسع بين القراء.

في الوقت الذي تقدم فيه هذه الدوريات وغيرها، قوائم الأكثر مبيعاً، فإنها تشدد غالباً على عدم اعتبار هذه الأعمال هي الأفضل من ناحية الجودة الأدبية أو القيمة الفنية. ومن المؤكد أن الشهرة لا تعني بأي حال معياراً وحيداً للأفضلية.

المبدأ السابق، ينطبق على بعض الكتب الأكثر شهرة في التاريخ الحديث، التي قد تحظى بشعبية في جوانب معينة، لكنها وعلى نحو عام، ببساطة تعد أعمالًا إشكالية للغاية، ولا يمكن الإشادة بها، ويصبح من الطبيعي أن تقرأ عنوان كتاب ما في قوائم الأكثر مبيعاً بجريدة غربية، قبل أن تجد العنوان ذاته نهاية العام في قائمة الكتب الأكثر رداءة.

غياب الثقة

في العالم العربي، كانت بعض الصحف قد اعتادت أن تقدم مادة خبرية عن قوائم «الأكثر مبيعاً»، استناداً إلى بيانات بمبيعات أشهر مكتبات بيع الكتب bookstores، إلا أن الكثيرين شكك في دقة ما تقدمه هذه البيانات، خاصة أن بعض الإصدارات ربما لم يبع سوى عدد قليل من النسخ، وبعضها يجرى ترشيحها كنوع من الدعاية لتشجيع القراء على شراء هذه العناوين.

لا يثق أغلب القراء العرب في قوائم الصحف أو دور النشر، رسمية أو حكومية، المعنية بالعناوين الأكثر مبيعاً، الأمر الذي قد يفسر لماذا لا يعرف العرب قوائم الكتب السيئة، ففي الوقت الذي قد تتدخل بعض المجاملات في قوائم التفضيل، ما الذي يمنع أن تلعب المجاملات ذاتها دوراً في قوائم غياب الجودة؟

فكرة التمييز بين الجيد والرديء، هي تجل عملي لمفهوم النقد في صورته الأولية وحسب التعريف القديم «تمييز الجيد من الرديء»، وهو ما تجاوزته مناهج واستراتيجيات النقد الحداثي وما بعد الحداثي، ليبدو السؤال عمن يحدد جودة العمل من عدمها سؤالًا مشروعاً.

ومع ذلك الغياب، يجدر بنا أن نشير إلى أن فكرة الفصل بين الأعمال الجيدة والأعمال الرديئة تنتشر في كتب التراث العربي، ولربما أصبحت باباً نقدياً تحت مسمى «أقبح ما قالت العرب»، وفرّع البلاغيون والمهتمون بتاريخ الشعر القديم قوائم القبح إلى قوائم فرعية موضوعاتية أو غرضية، كأقبح ما قيل في الغزل والهجاء والمدح إلى غير ذلك، أو قوائم ذاتية خاصة بكل شاعر على حدة، وهو ما امتد حتى منتصف القرن العشرين، لنجد في كتاب «مع المتنبي» لعميد الأدب طه حسين يصف قصيدة «ما أنصف القوم ضبّه» ب«أقبح شعر المتنبي وأقذع ما قال في الهجاء».

أسئلة

في «واشنطن بوست»، يتساءل مايكل دريدا عن الرواية الأسوأ على الإطلاق؟ لا يصل الكاتب الأمريكي إلى عمل واحد، بيد أنه يقدم قائمة من عناوين الأعمال الأدبية التي يراها النقاد «الأسوأ» في مسيرة الأدب الإنجليزي.

الناقد وخبير الشؤون الأدبية، المختص بالرواية جون ساذرلاند، يقدم قائمة لأشهر 20 كتاباً الأكثر مبيعاً في القرن العشرين، ويختار منها رواية جوديث كرانتز «انبهار» أكثر الروايات الفظة التي قرأها في حياته.

لا تخلو أي قائمة غربية بأسوأ الروايات والكتب في تاريخ الأدب الغربي من عنوان واحدة من أشهر الأعمال لجين أوستن وهي «كبرياء وتحامل»، ولعل أوستن واحدة من أكثر الكتاب رداءة في تاريخ البشرية، حسب قوائم الأكثر سوءاً.

وتتبع رواية أوستن التي توفيت 1813 قصة حب ملكة الجمال إليزابيث والسيد دارسي في مقاطعة إنجلترا في أواخر القرن الثامن عشر، وهي قصة اعتبرتها الكاتبة شارلوت برونتي، أنها تقدم مجرد نظرة سطحية للمجتمع في ذلك الوقت.

لا ينافس المؤلفة البريطانية الشهيرة في السوء سوى مواطنتها أماندا ماكيتريك روس التي رحلت في عام 1939، التي تنفرد بكونها الأديبة البريطانية التي خصصت لها جائزة هي الأولى من نوعها «أسوأ كاتبة في العالم»، ووصل الانفراد إلى عقد حفل تكريم لها في 2018 ببريطانيا لمنح اللقب وتأكيد رداءة كتابتها.

وقتها خصص القائمون على الاحتفال جائزة لمن يستطيع من الجمهور أن يمنع نفسه من الضحك أطول فترة ممكنة، خلال قراءة فقرات من روس.

هنا يلاحظ الناقد توماس بير في مقدمته لنسخة رواية «إيرين إيدسلي» الصادرة 1927، أن أسلوب روس له الجدارة الفارغة من أي تصور، مجرد مبالغات درامية تتأرجح في هذيان لغوي، وتحكي عن قصة حب مأساوية، ويقع السير جون دونفيرن صاحب الأربعين عاماًَ، في حب إيرين، ابنة اللورد والسيدة ديلورث. في البداية تسير الأمور على ما يرام، «مسار الحب، الذي اشتهر جون السير عليه، بدا سلساً مثل جليد إنجلوود، لكن عاطفة إيرين المصقولة تبين أنها ليست سوى لمعان مزيف».

دان براون

في الألفية الجديدة، اعتبرت جريدة الجارديان رواية «شفرة دافنشي» لدان براون هي الأسوأ، بسبب عدم دقة المعلومات وأسلوب السرد الذي وصفته ب«المهلهل»، فيما اعتبرت Omnivoreالرواية الأشهر في القرن الحادي والعشرين «الأكثر تفاهة».

يبدو غريباً أيضاً، أن تجد من يصنف رواية الأيرلندي جيمس جويس «عوليس» كواحدة من أسوأ الكتابات، حسبما ورد في قائمة موقع «insider» وعللت المحررة تشيلسي جرينوود ذلك بأنه «ليس الجميع من محبي عوليس»، على الرغم من الترحيب الذي لاقته الرواية في عام 1922، التي تعد من أبرز الأعمال في الأدب الحداثي، حتى إنها اعتبرت «نموذجاً وإجمالًا للحركة بأكملها»، فإن «جرينوود» ترى أن الجميع لا يتفق على «عظمة الرواية».

بعد أربع سنوات من قراءتها، لخصت المؤلفة فرجينيا وولف وجهة نظرها في الرواية من خلال رسالة، وفقاً لمختبر «ييلز للحداثة»، فإن الروائية الإنجليزية التي تعد أيقونة الأدب الإنجليزي في القرن العشرين اعتبرت قراءة درة جويس «مهمة انتحارية»، شاكرة الله أنها قد انتهت من قراءتها، لتعرض نسخة الرواية للبيع والتخلص منها ب4 جنيهات إسترلينية و10 قروش.

لم تكتف تشيلسي جرينوود بوضع «عوليس ضمن قائمتها» فضمت رواية أخرى لجويس وهي «بعث آل فينيغان» على الرغم من اعتبارها واحدة من الروايات الأكثر تعقيداً نظراً لأسلوب كتابتها التجريبي ونقدها الإيجابي بوصفها واحدة من أصعب الأعمال الروائية في اللغة الإنجليزية.

ومن عوليس إلى الإسباني ميجيل دي سرفانتس ورائعته الشهيرة «دون كيشوت»، والمنشورة في جزأين بالأعوام 1605 و1615، تقر «جرينوود» بعبقرية الرواية في نظر الكثيرين، بيد أن المؤلف البريطاني مارتن أميس وجدها غير مستساغة.

ووفقاً لصحيفة الجارديان، أوضح «أميس» أنه «على الرغم من أن دون كيشوت تحفة فنية، فإن الرواية تعاني عيباً واحداً وخطراً إلى حد ما، وهو عدم القدرة على مواصلة القراءة، إنها كوميديا سامية؛ ومملة على نحو لا يطاق».

ومن إسبانيا إلى الولايات المتحدة، صنفت رواية «ذهب مع الريح» للأمريكية الشهيرة مارجريت ميتشيل بواحدة من أسوأ الروايات، والسبب هنا موقف العمل من العبودية.

وتتناول رواية ميتشيل المنشورة في عام 1936 الحرب الأهلية، بيد أنها تعرضت لانتقادات حادة ولاذعة بسبب تصويرها الرومانسي للرق، وعلى الرغم من أن المؤلفة منحت بعض العبيد في الرواية أسماء كاملة، كإشارة إلى كينونة غير منقوصة، فإن النقاد اعتبروا الرواية تكريساً للعبودية، خاصة أن لا أحد من الشخصيات المستعبدة شكا من العبودية.

المحررة «كاس آر. صنشتاين» كتبت في صحيفة «Theatlantic» أن مارجريت ميتشل لا تحتفل بالرق ولا ترحب به على نحو دقيق، لكن يبدو أنها لا تعتبره مشكلة كبيرة، وتخلو روايتها من أي إشارة تخص تحرير الذين استرقوا واستعبدوا». علاوة على ذلك، وصفت ميتشل المستعبدين الذين منحوا حريتهم ب«قرود أو أطفال صغار تحولوا إلى كائنات رخوة»، معتبرة أن عقلياتهم «طفولية» و«من السهل أن يقادوا، وهي سمة مكتسبة من الاعتياد على تلقي الأوامر».

تبادل الإصدارات

طبيعي أن تجد نوادي للكتاب في كل أرجاء العالم، ويبدو أن المهمة الرئيسية لهذه الأندية هي حث وتشجيع الناس على القراءة من خلال آليات وأدوات عدة أبرزها، تسليط الضوء على الإصدارات التي تراها جيدة أو مفيدة.

أغرب ما يمكن أن يقرأ حول قوائم الكتب الرديئة، هو ما صرحت به المحررة الأدبية الروسية ميراندا ليمونشينكو؛ إذ أقرت أنها أسست مع عدد من أصدقائها وصديقاتها نادياً «غير رسمي» للكتب السيئة

النادي الذي جرى تأسيسه افتراضياً، يعمل أعضاؤه على تبادل العناوين الرديئة، خاصة تلك العناوين التي لا تتمتع بشهرة ما أو لا يعرفها كثيرون من القراء وأعضاء النادي.

ويؤكد المساهمون في النادي الذي بدأ سرياً قبل أن يعلن عنه المؤسسون ليستفيد القراء من ترشيحات المحررين الأعضاء، خاصة أنها ترشيحات غير متداولة، ويبذل المساهمون جهوداً كبيرة في العثور على هذه العناوين المجهولة برداءتها، على أن تقدم تحت شعار: «سنمزقها بشراهة، هذا الكتاب يغضبني ولا نجد تفسيراً لذلك»، داعين جموع المهتمين بالقراءة إلى الانتظام في قراءة الأعمال الرديئة التي يصفونها ب«القمامة» على أن يؤسس كل عضو ناديه الخاص بهذه الأعمال.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"