منحنى الاستهلاك في اقتصادنا الإسلامي

02:20 صباحا
قراءة دقيقتين
د.إبراهيم علي المنصوري *

الاستهلاك ضدُ الادخار والتوفير، وهذه المفاهيم في مجموعها مما عالجه الإسلام، فالدين منظومة تريدُ تهذيب سلوك الإنسان، من خلال التعزيز الحثيث لشعور الرقابة الإلهية في ضميره، وهو ما يعرف بتقوى الله جل شأنه. والاستهلاك والادخار والتوفير والإسراف والتبذير، تعريفاتٌ من الضرورة أن يفهمها المسلم، حتى ينضبط سلوكه في التعامل مع المال، الذي هو قوام حياته. وحيث إن الاستهلاك هو بذل المال لقاء الحصول على مصلحة، مادية كانت أم خدمية، فالإسلام هنا يدقق في هذا البذل، أهو إنفاقٌ في محله أم إسراف في غير محله؟، وينبه الإنسانَ أنه سيُسأل عن هذا البذل، فيقف المسلم موقف الجاد في بذله، فيُنفق المال في غايات تعود عليه بالنفع، وتحقق له المصلحة التي يوافق عليها الإسلام، وهي الطيبات، فيكون بذله للمال محموداً، ولو لم يوافق الإسلام، فبذله مذموم، ويكون قد وقع في المحاذير.
ولو نظرنا إلى منحنى الاستهلاك في النظرية الوضعية، لوجدنا أنه كلما زاد الدخل زاد الاستهلاك، دون حدود أو قيود، أما في منحنى الاستهلاك من منظور الاقتصاد الإسلامي فإن الدخل مهما زاد لابد أن يقف الاستهلاك عند سقف لا يتجاوزه (حد الإسراف)، وإن قلّ فلابد وألاّ ينزل عن حد الكفاية.
وتشكل الآية الكريمة «وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا»
القاعدة الأهم في الاستهلاك وبذل المال، وهي المعيار الضابط للإنسان في بسط يده بالنفقة أو الإمساك باعتدال، فلو أنفق المال في غير محله لكان مبذراً، ولو أمسك المال في غير محله لكان شحيحاً، وكلا الحالين مذموم عند الله، وهنا يعتدل السلوك وينضبط الهوى، فيكون الإنفاق في الله، والإمساك في الله، والله يكافئ كل منفق على نيته.
وهنا ينضبط سلوك الإنسان في تعاطيه مع المال، فيُدرك أن الاستهلاك وسيلة لتحقيق غاية، وهو مؤتمن عليه، وسوف يسأله الله عن مصدره ومصرفه، وحين ينضبط سلوكه تتحقق غايته من الحياة، وهي تحمل الأمانة في خلافة الله بأرضه، وعمارتها عمارة حقيقية، لا ميول فيها للهوى بل للدين.
وحري أن يعلم المسلم أن آفاق النفقة واسعة، فما حُرِّم فهو قليل، ومفصل في القرآن العظيم، أما المباح فهو كثير، وإن لم يُعلم فيمكن القياس عليه فيكون مباحاً وهذا من رحمة الله وتوسيعه على عباده. كما أن الإسلام يُراعي تحقيق المصلحة للآخرين من خلال بذل المال، فلا ينطوي سلوك المرء الاستهلاكي على الأنانية، فيبذل حباً لله وطلباً لمرضاته.
وهنا يتجلى لنا أن ضوابط السلوك الاستهلاكي في الإسلام تقوم على العقيدة والأخلاق، وتراعي الملاءة المالية لكل فرد، وحاجاته الحقيقية سواء كانت اجتماعية أم نفسية، فمطلوب منه بلوغ حد الكفاية.


[email protected]
* أستاذ الاقتصاد والمصارف الإسلامية
المساعد بجامعة الشارقة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"