الإجهاض (2 ـ 2)

03:21 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عارف الشيخ

بينا في المقال السابق حكم الإجهاض في الشريعة الإسلامية، وذكرنا رأي الإمام الأكبر الشيخ شلتوت شيخ الأزهر سابقاً، وجاء في فتوى المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي/الدورة الثانية عشرة لعام 1990، أن إجهاض الجنين المشوه تشويهاً شديداً، جائز، لكن لن يتقرر ذلك إلا بشروط مثل:
1 أن يكون بقرار من لجنة من الأطباء المختصين.
2 أن يتم الإجهاض قبل مرور 120 يوماً من لحظة التلقيح.
3 أن يكون خطر الحمل على الأم أشد من خطر الإجهاض.
4 موافقة الزوجين على الإجهاض.
إذن يحرم الإجهاض بعد نفخ الروح في الجنين سواء كان الحمل شرعياً أو سفاحاً؛ لأن الجنين لا ذنب له، وأجاز بعض الفقهاء إجهاض الحمل إذا كان نتيجة الاغتصاب، من باب تغليب المصلحة على المفسدة، مراعاة للقاعدة التي تقول: «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح».
أما إسقاط الجنين قبل نفخ الروح فيه فموضع خلاف بين العلماء، حيث أجازه بعضهم لظنه أنه لا حياة فيه.
ومنهم من قال بكراهيته، ومنهم من قال بحرمته، ولعلّ أشدهم هم المالكية، حيث إنهم حرموا الإجهاض مطلقاً، وورد في شرح الدردي قوله: «ولا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم ولو قبل أربعين يوماً، وإذا نفخت فيه الروح حرم إجماعاً».
أقول: إن رأي المالكية هنا أكثر احتياطاً، وهو من باب سدّ الذريعة أيضاً؛ لأننا لو فتحنا الباب أمام النساء فلربما اتخذنه حجة، كلّما أردن أن ينتقمن من أزواجهن.
ثم إن الإجهاض المعتمد ليس خالياً من المخاطر، فلماذا تلجأ إليه المرأة؟ أليس لتنفيذ خطة شيطانية، أو لتحقيق رغبة الزوج الذي لا يريدها أن تحمل، أو لتحقيق رغبتها هي إذا لم ترد الحمل؟.
نعم إن الإسلام أباح لها الإجهاض في حال لو كانت هي نفسها في خطر، لكن لم يُبحه لها ولا لزوجها لمجرد منع الحمل أو تحديد النسل.
كما أن منع الحمل إذا كان بواسطة الدواء وقبل تكوّن النطفة الأولى لم يُجزه الشرع إذا لم تكن هناك ضرورة، فكيف يمنع الحمل بعد تكوّنه؟
أتقول إن المرأة يرهقها الحمل المتتالي أو إن بها مرضاً، أو تحب أن يحصل المولود على قسطه من التربية؟ إذا كان ذلك قصدك وقصدها، فإنكما بحاجة إلى تنظيم النسل وليس منع النسل.
والتنظيم لا يكون بالضرورة بتناول الدواء الذي قد يضر المرأة، وقد لا يفيد فتحمل، وإنما يمكن تنظيم النسل بالعزل الذي أقره الشرع للضرورة، وهو لا يزال من أنجح وسائل منع الحمل من أجل تنظيم النسل.
والعزل وهو أن ينزع الرجل ذكره قبل أن يصب ماءه في رحم المرأة، جائز شرعاً؛ لأن جابر رضي الله عنه يقول: «كنا نعزل والقرآن ينزل». وورد في حديث آخر أن العزل هو الوأد الخفي.
ولكي نوفق بين الحديثين نقول: إن الحديث الأول أصح، ومعظم الفقهاء قال بجواز العزل.
ثم إن الفارق بينه وبين الإجهاض كبير؛ لأن الإجهاض يكون لكائن حي، وقد يكون نفخت فيه الروح بالتمام، أما العزل فيتم خارج الرحم، ويكون الرجل لتوّه قد فرغ من إنزاله.
لذا فإننا نقول: لا إجهاض بعد نفخ الروح من غير عذر شرعي، فلتتق الله النساء في حملهن، وجاز الإجهاض إذا كان العذر شرعياً، وأما العزل فجائز. والله أعلم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"