«إسكندر» في مصر

03:07 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. محمد فراج أبو النور *

لم يكن الإعلان عن امتلاك مصر لصواريخ «إسكندر - إم» الروسية الشهيرة، أمراً يحدث للمرة الأولى، خلال الأيام القليلة الماضية (RT - سبوتنيك - 29 يوليو / تموز 2020). فقد سبق أن أشار إلى ذلك أحد مسؤولي الهيئة الفيدرالية الروسية للتعاون التقني العسكري في مؤتمر صحفي على هامش معرض دبي للطيران في نوفمبر / تشرين الثاني 2017.
الفارق هذه المرة هو أن الموقعين الإخباريين الرسميين (RT وسبوتنيك)، عمدا إلى نشر تقرير مطول - وبدون أي مناسبة إخبارية محددة - عن تسليح روسيا لمصر بصواريخ «إسكندر - إم»، وغيرها من الأسلحة المتطورة، وتضمن التقرير معلومات تفصيلية عن الصفقة، التي جاء توريد صواريخ إسكندر في إطارها (والتي تم عقدها عام 2013).. وتضمنت الصفقة (46) مقاتلة «ميج - 29»، ومنظومات صواريخ الدفاع الجوي والصاروخي «إس - 300» و«تور» و«بوك»، ومنظومات رادار لم يتم الإعلان عنها، وأسلحة أخرى متطورة، جرى تسليمها تباعاً، ويستمر توريد بعضها الآخر.
وأوضح أن هذا الإعلان المفصل، وإعلانات أخرى مشابهة في الفترة الأخيرة، تمثل تغييراً في السياسة المتحفظة في هذا الصدد، التي يفضلها الجانب المصري عادة، وتهدف إلى إرسال رسائل «لمن يهمه الأمر»، في ظل تصاعد التهديدات للأمن القومي المصري، سواء من جانب تركيا، أو فيما يتعلق بمشكلة «سد النهضة».


الصاروخ الأقوى في العالم


المعروف أن صاروخ «إسكندر» الباليستي الروسي، هو أقوى صاروخ تكتيكي في العالم، ويوصف بأنه الصاروخ الذي يستحيل اعتراضه.. فهو صاروخ «شبحي» مزود بنظام للملاحة، يجعل من المستحيل التنبؤ بمساره أو ملاحقته. (سبوتنيك - 31/8/2019).
ويبلغ مدى «إسكندر - إم»، النسخة الروسية من الصاروخ 500 كم، بينما يبلغ مدى النسخة التصديرية من «إسكندر - إم» 280 كم.. وهو مدى أقل بشكل واضح، بسبب ضوابط تصدير التكنولوجيا الصاروخية المفروضة دولياً، لكن المعروف أن دول العالم الثالث عموماً تتعامل مع مسألة «مدى الصواريخ»، وتستطيع إطالته كثيراً، كما حدث مع صواريخ «سكود» الروسية مثلاً في بلاد عديدة.
ويحمل «إسكندر - إي»، شحنة يصل وزنها إلى 480 كجم، ولديه ثمانية أنواع من الذخيرة أو الرؤوس ما بين رؤوس انشطارية وشديدة الانفجار، وفراغية، كما أنه يستطيع أن يحمل رأساً نووياً.. وهذه مسألة لا تخصنا بالطبع.
والصاروخ مخصص لقصف الأهداف الحيوية في العمق التكتيكي للعدو، كمحطات القيادة والسيطرة والإنذار المبكر، بما فيها المنشآت المحصنة تحت الأرض، والمباني الخرسانية الضخمة، ومراكز تجميع وحشد القوات.
كما يتميز «إسكندر» بالدقة العالية في إصابته للأهداف، بهامش خطأ يتراوح بين (5-7م) (RT - 29/6/2020).


كابوس لل«ناتو»


ونظراً لهذه الخصائص الفنية والتدميرية عالية التطور، فإن نصب روسيا لصواريخ «إسكندر - إم» في مقاطعة «كالينينجراد» الروسية المطلة على بحر البلطيق، (وهي جيب روسي يقع بين ليتوانيا وبولندا).. واجه معارضة شديدة من جانب أمريكا «والناتو» أخرت نشر موسكو لصواريخ «إسكندر» على هذا الجزء من أراضيها لعدة سنوات.. حيث إنه على الرغم من مداه التكتيكي (500 كم) أصبح قادراً على الوصول إلى كل أراضي بولندا وأجزاء كبيرة من دول أوروبا الشرقية والوسطى، الأعضاء في الناتو، بما في ذلك ألمانيا.. ولما كان «إسكندر - إم»، قادراً على حمل رؤوس نووية، فقد أصبح يمثل تهديداً استراتيجياً لقوات وقواعد «الناتو»، وثغرة ضخمة في جدار «الدرع الصاروخية» الأطلسية القريبة من حدود روسيا الغربية.
وربما كان من الأهمية بمكان أن نشير إلى أن مصر هي أول دولة في العالم تحصل على الصاروخ «إسكندر - إم» بعد أرمينيا، الدولة السوفييتية السابقة، والحليف العسكري لروسيا، في إطار «منظومة الأمن الجماعي».


متغيرات إيجابية في موازين القوى


إذا وضعنا في اعتبارنا إمكانية تطوير مدى الصاروخ «إسكندر - إم»، فإنه يمثل عنصر ردع مهماً لخصوم مصر المحتملين، في حالة نشوب صراع مسلح مع «إسرائيل» في الجبهة الشرقية مثلاً، أو مع تركيا على الجبهة الغربية عبر الأراضي الليبية. غير أن الأمر الأهم هو أن مصر قد تعاقدت على هذه الصواريخ، في إطار صفقة - تلتها صفقات أخرى مهمة مع روسيا وغيرها - تهدف إلى إعادة تسليح الجيش المصري بصورة شاملة، وإعادة التوازن إلى علاقات القوى العسكرية المختلة في غير مصلحة مصر، خلال العقود التالية لحرب أكتوبر 1973، فقد تضمنت صفقة عام 2013 المشار إليها (46) طائرة مقاتلة «ميج -29» التي تعد أقوى وأحدث من الطائرة «إف 16» الأمريكية. كما تضمنت تلك الصفقة إمداد مصر بمنظومات متكاملة من صواريخ «إس- 300» و«بوك» و«تور»، التي تحقق في تضافرها - في إطار نظام موحد للقيادة والسيطرة - تأميناً كاملاً للسماوات المصرية. كما تستعد مصر لاستلام صفقة من طائرات «سو - 35» قريباً.. وهي قاذفة مقاتلة متعددة المهام من طائرات السيطرة الجوية.
وتتكامل هذه الطائرات الروسية مع طائرات مقاتلة أوروبية متطورة، منها «الرافال» الفرنسية متعددة المهام، القريبة في مستوى تطويرها من طائرات الجيل الخامس مثل «إف - 35» الأمريكية، التي تمتلكها «إسرائيل» ومقاتلات «سو - 57» الروسية (RT - وسبوتنيك 11/6/2020). كما اتفقت مصر مع إيطاليا على شراء طائرات «يوروفايتر»، المتطورة متعددة المهام، في إطار صفقة ضخمة تشمل أيضاً 4 فرقاطات من طراز «فريم»، وأسلحة أخرى.
وتأتي هذه الصفقات في إطار سياسة «تنويع مصادر السلاح»، التي تحرص القاهرة على انتهاجها، لضمان امتلاك حرية قرارها، والحصول على أفضل الأسلحة المتاحة لإنجاز مختلف المهام العسكرية، علماً أن الأسلحة الروسية تحتل مكاناً بارزاً في تحديث أسلحة الجيش المصري بمختلف فروعه.
وقد مثّل امتلاك حاملتي طائرات الهليكوبتر من طراز «ميستيرال» الفرنسية، نقلة نوعية مهمة في تطور القوات البحرية المصرية.
أما طائرات الهليكوبتر على متن هاتين الحاملتين، فهي روسية من طراز «كا - 52» الهجومية المتطورة، (نحو 50 مروحية).. ويتيح ذلك للقوات البحرية المصرية ذراعاً قوية في البحرين، المتوسط والأحمر. كما تعاقدت مصر على شراء غواصات من طراز «تايب»، وحصلت على منظومة صاروخية روسية للدفاع الساحلي من طراز «باستيون» الثقيل الذي يبلغ مداه 300 كم الذي يوفر حماية قوية للسواحل المصرية في البحرين المتوسط والأحمر.
وفضلاً عما ذكرناه، فقد اتفقت القاهرة مع موسكو على شراء نحو 400 دبابة من طراز «تي - 90 إم إس»، وعلى ترخيص بإنتاجها وتجميعها في مصر، وهي من أحدث وأقوى الدبابات في العالم، وستحل محل دبابة «أبرامز» الأمريكية الأقل تطوراً، والأصعب في إمكانية الحصول عليها.

* كاتب ومحلل سياسي مصري. خبير في الشؤون الروسية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"