د. إسماعيل الرمحي: مستعدون للتضحية

شكراً خط دفاعنا الأول
02:50 صباحا
قراءة 4 دقائق
حوار: رانيا الغزاوي

«التزامنا كأطباء حالياً بالعمل ليلاً ونهاراً، وتطبيق الحجر الصحي على أنفسنا، وابتعادنا عن أسرنا وأطفالنا، نابع من مسؤوليتنا تجاه أفراد المجتمع لتأدية واجبنا ولحمايتهم من نقل العدوى، وحتى يشاء الله لنا أن نتخلص من هذا الوباء، فنحن مستعدون للتضحية بكل ما نملك من وقت وراحة وإمكانات في سبيل الوطن وسلامة من فيه، فمنذ زمن بعيد ننتظر الفرصة المناسبة لرد الجميل لهذا الوطن المعطاء، ونحن أبناؤه ولن نتأخر أو نتخلى عنه في هذه المحنة، فنحن نخدم أهلنا ونحافظ على صحتهم، ولا ننسى خلال هذه الرحلة الشاقة دعم قيادتنا الرشيدة، وكلمات شيوخنا الكرام التي تبث فينا روح العزيمة وتعطينا دفعة معنوية تكفينا أعواماً مقبلة».
بهذه الكلمات، بدأ د.إسماعيل محمد الرمحي، أحد جنودنا المخلصين في خط الدفاع الأول، الذي يعمل اختصاصي حوادث وطوارئ بمدينة الشيخ خليفة الطبية في أبوظبي، الحاصل على بكالوريوس الطب من الكلية الملكية للجراحين في إيرلندا، والبورد العربي في تخصص الحوادث والطوارئ للبالغين والأطفال من مدينة الشيخ خليفة الطبية وهو مطابق للبورد الأمريكي تستغرق مدة التخصص فيه 4 أعوام، فيما تخطت خبرته العملية حالياً العشرة أعوام.
عمل الرمحي غير منتظم، فكونه طبيب طوارئ يعمل بنظام المناوبات كفترة صباحية ومسائية وفترة منتصف الليل التي تمتد حتى الساعات الأولى من الصباح، حيث يقوم ضمن عمله اليومي في القسم بتغطية الحالات التي تتراوح بين ما بين المتوسطة والحرجة.

مواجهة التحديات

يلفت د. إسماعيل الرمحي إلى أهم التحديات التي يواجهها طبيب الطوارئ في مهنته بوجه عام، والتي تكمن في بقائه متأهباً على مدار ال 24 ساعة لاستقبال الحالات، حيث تكون مناوبة طبيب الطوارئ داخل القسم في المستشفى، وليست مناوبة عن بعد، يطلب فيها عند الحاجة، حيث يستقبل الحالات الخطيرة المصابة بالسكتات القلبية والدماغية وحالات السقوط وحوادث السير، والولادات العاجلة، إضافة للجروح الخطيرة النافذة، كما تعد المواقف الأليمة التي يتشارك فيها الطبيب مع ذوي المرضى كوفاة مريضهم، من أكثر المواقف الصعبة التي يعيشها، والتي تمثل ضغطاً نفسياً نظراً لما تتطلبه أيضاً من ضبط النفس خلال تقديم العلاج والتحدث عن وضع الحالات بوضوح، وتقديم المساندة النفسية من قبله للأهل.
ومع مرور الوقت في هذا المجال، يصبح الطبيب أكثر تحكماً بمشاعره وانفعالاته، بحيث يجنبها جانباً خلال تأدية عمله الطبي ليتمكن من أداء واجبه على أتم وجه، فمصلحة المريض تتطلب أن يكون طبيب الطوارئ صامداً حتى يتمكن من إدارة الموقف، والتدخل السريع لإنقاذ حياة المصابين وجعل الحالات الحرجة مستقرة.
ويضيف: تحضر مشاعري عادة بعد انتهاء مهمتي العلاجية وخصوصاً في لحظة وجود أهل المريض، سواء كانت مشاعر فرح بالشفاء أو تأثر بالوفاة، وتعد حالات الوفاة في قسم الطوارئ من أصعب الأوقات التي نعيشها لما نراه من صدمة الأهل أو إبلاغهم بتوقف قلب المريض أو موته دماغياً، فكم أتمنى لو كان باستطاعتي إبلاغهم ببشرى سارة كاستقرار وتحسن حالة المريض، لأنني أعي تماماً أن صورة الطبيب الذي يخبرهم بالخبر المحزن ستظل عالقة في ذاكرتهم للأبد. وأشار إلى أن أطباء الطوارئ كانوا يعانون خلال الأعوام السابقة حتى وقت قريب، من الاعتقاد الخاطئ الذي كان يسود بين بعض أفراد المجتمع، عن أن عملهم في القسم لا يتطلب وجود طبيب متخصص وإنما يمكن لأي ممارس عام القيام بالمهام، وهذه نظرة خاطئة، حيث يعد طب الطوارئ تخصصاً قائماً بحد ذاته، ينهي الطبيب خلال فترة دراسته تدريباً طويلاً، لا يقل عن تخصصات الجراحة، فهو طبيب شامل يعالج جميع الحالات من البسيطة حتى الحرجة التي قد تفقد الإنسان حياته.

أطباء الطوارئ

يوضح د. إسماعيل الرمحي أن الأطباء بشكل عام معرضون لالتقاط عدوى فيروس «كورونا» من المصابين به مباشرة، بالرغم من إجراءات الوقاية والتعقيم المشددة في المنشآت الصحية، لكن تبقى المستشفيات بيئة خصبة للأمراض بسبب ما تحويه من مرضى، ويزداد الأمر خطورة مع طبيب الطوارئ لأنه أول من يستقبل المريض، الذي قد يكون حاملاً للفيروسات والأمراض المعدية منذ دخوله المستشفى وقبل معرفة حالته، فقد يكون دمه ملوثاً أو لديه عدوى جلدية أو تنفسية أو فيروسية، كما يعد الإنعاش القلبي الرئوي من الإجراءات الطبية التي تمثل خطورة على صحة الأطباء لأن الطبيب يقوم بالضغط على صدر المريض لإعادة النبض للقلب وبهذه العملية فإن المريض يُخرج تلقائياً كل ما بجهازه التنفسي، مما يجعلها فرصة لاكتساب العدوى من هذه الحالات إن كانت مصابة.
ومن ضمن الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها مدينة الشيخ خليفة الطبية لحماية الأطباء والمرضى، تجهيز غرف خاصة لمثل هذه الحالات تمتاز بنظام تهوية خاص بها، فيما يتم استقبال من لديهم أعراض شبيهة لما يسببه فيروس الكورونا ويتم عبر أطباء الطوارئ بالمدينة فرزها والتبليغ عن أية حالة لدائرة الصحة في أبوظبي ليتم التعامل معها بشكل صحيح ضمن إجراءات العزل الصحي.
ويذكر أنه في ظل انتشار «كورونا»، أصبح هو وزملاؤه يعملون ضمن نظام عمل مكثف بعدد ساعات أطول إضافة لمضاعفة الإجراءات الوقائية، من حيث ارتداء ملابس طبية خاصة تتناسب مع الوضع الحالي إلى جانب القفازات والكمامة الطبية وغطاء الشعر والنظارات الواقية، مشيراً إلى أنه حالياً يتم التعامل مع جميع الحالات التي يتم نقلها إلى المدينة بسيارة الإسعاف واستقبالها وكأنها حالات «كورونا»، ضمن إجراءات احترازية مشددة، حتى يتبين ماهية الحالات، والتعامل بناء على معطيات كل حالة بحسب متطلباتها.
ويلفت إلى أن مدينة الشيخ خليفة الطبية، قامت بتجهيز أماكن خاصة للإقامة له ولزملائه من الكادر الطبي، بعيداً عن أسرته وأطفاله ال 4، في أحد الفنادق بمنطقة قريبة للعمل، منعاً للاختلاط بالعائلة أو أفراد المجتمع ضمن الإجراءات الوقائية، كما يتم إجراء فحوصات دورية للكادر الطبي والتمريضي وعمال النظافة في المدينة بمعدل مرة كل 7 أيام، إضافة لجميع هذه الخدمات أتيحت أرقام خاصة للدعم النفسي والمعنوي في حال احتاج الطبيب لهذه الخدمة، وذلك لما يمر به الأطباء من ضغوطات نفسية رهيبة مصاحبة لانتشار الفيروس، والبعد عن الأهل والأسرة، ومواصلة العمل في ظل التخوف من التقاط العدوى، إضافة لوقف نظام الإجازات السنوية حالياً نظراً لحاجة القطاع الطبي لكوادره.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"