الرهان على الناقد خاسـر دائــماً

02:25 صباحا
قراءة 6 دقائق
 استطلاع: نجاة الفارس

هل ظلم جيل الثمانينات من شعراء وروائيين كتاب قصة في الإمارات نقدياً ؟، سؤال يبحث عن إجابة بين عدد من كتاب هذا الجيل وعدد من النقاد، الذين يؤكدون أن إبداعات تلك الفترة الزمنية، لم تحظ باهتمام ملحوظ، ويضيفون في استطلاع ل «الخليج» أننا لم نزل بحاجة إلى المزيد من الرؤى المتزنة، فقد غاب عن مشهدنا الثقافي العمل النقدي المتخصص، كانت هناك بعض محاولات وكتابات قليلة جداً، لكن لم يتم تناول الأدب الإماراتي من منظور أكاديمي، وهذا أهم ما كان ينقص مسيرة الأدب الإماراتي في الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين.

يقول الكاتب والروائي سعيد الحنكي: تفيد التجارب الإنسانية على مر العصور، بأن الأعمال التي لا تخضع إلى تقييم ومراجعة تقومان أخطاءها وهفواتها، تظل في دائرة التجربة والخطأ مدة زمنية طويلة، مما يؤخر من تطورها وعطائها، وربما يتسبب ذلك في تعطيلها، كما أن التقييم الذي تخضع له لابد وأن يكون قائماً على معايير علمية وعملية، تساعدها على التمكين والنهوض بنفسها، وإذا عدنا بإطلالة على أعمال جيل الثمانينات من القرن الماضي، في الشعر والقصة، ودور النقد الأدبي في تقييم مبادراتهم، على افتراض أن هذا التقييم يقف على أرضية صلبة من القواعد العلمية والعملية الثقافية، فسنجد أن إبداعات تلك الفترة الزمنية، لم تحظ بشكل ملحوظ بذلك الاهتمام النقدي، بل إنه حتى في يومنا هذا، لا نستطيع التصديق بوجود النقد الأدبي الفعال.

ومع إقرارنا بندرة هذا النقد على وجه العموم، والذي كان ضرورياً للمساعدة على إيجاد مساحة ثقافية صالحة للاستمرار، دون التلكؤ في مسارات التجربة طويلاً، نستطيع أن نستثنى بعض الأقلام الجادة التي سلكت في نقدها أسلوباً علمياً رصيناً في بعض الأحيان، وأخرى اعتمدت ثقافتها ومدى اتساع اطلاعاتها في تقييم الأعمال، وكانت مفيدة، ولمحطة إذاعة دبي آنذاك دور في التوعية على المستوى الإبداعي،

عندما تم تناول الأعمال الأدبية المحلية وقراءتها، من خلال برنامج أسبوعي ثقافي، والتعليق عليها بشيء من المهنية والاحترافية، حيث جاء ذلك المجهود المميز، رافداً أضافياً على ما تقوم به الملاحق الثقافية في الصحافة اليومية،والمجلات الأدبية المتخصصة، للاضطلاع بمهام التعريف بالكتاب ونتاجهم الفكري والأدبي، خلاصة القول، وتأسيساً على ما سبق، أن الحيز الإبداعي والثقافي، في مجال الشعر والمسرح والرواية والقصة القصيرة، وغيرها من الأشكال الإبداعية الأخرى، تعد رافداً من روافد القوى الناعمة للمجتمعات المتحضرة.

الحلقة الأهم

الدكتورة مريم الهاشمي، كاتبة وناقدة، تقول: اليوم نرى العديد من المبادرات الثقافية التي تهدف إلى تكوين شخصية حقيقية للمشهد الثقافي الإماراتي، وللمثقف والأديب والكاتب، وإعطاؤها طابع الجدية في العمل والمحافظة على تبرعمها التكويني، ولا يتأتى ذلك دون وجود قاعدة متينة، ومنها تنبعث دراسة نتاج الرعيل الأول والنظر فيه نظرة متأنية، الذي هو الحلقة الأهم في تشكيل مسيرة التطور اللاحقة، ولذا يحضر التساؤل الضبابي الذي يطرح نفسه في الأروقة الثقافية في مجتمع دولة الإمارات، وهو عن جيل الرواد من الشعراء ورواد القصة، هل تم إعطاؤهم الحق من الدراسة والبحث ؟، وهو سؤال مشروع جعلني ألجأ إلى من تبحر في دراسة الثقافة والأدب المحلي، حيث يوجد فريقان: الأول يشعر بإجحاف، والثاني يجد أن الباحثين دفعوا بدفة الدرس قُدماً في خدمة أعمال الرواد، وعلينا ألا نلوم الفريق الأول وهو المتعطش والمريد لزخم نقدي أكبر لجيل يستحق كل الاهتمام.

لكنني أميل إلى رفع القبعة لمن يعمل ويبذل في رصد النتاج الأدبي لذلك الجيل، من خلال الأبحاث المنشورة والدوريات والمؤتمرات من خلال أروقة المؤسسات الثقافية في الدولة وتشجيعها على الالتفات لأعلام حملوا لواء السبق في الحراك الثقافي، وأخص هنا جهد اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ومؤسسة سلطان بن علي الثقافية، وهي المؤسسات التي أستطيع أن ألفت إليها لما وجدته شخصياً ضمن إصداراتها من أعمال ودراسات معنية بجيل الرواد، ولا يمكن أن نهدر حق كل تلك الدراسات، سواء كانت دراسات تاريخية أم نقدية، ومنها دراسات أنجزها كل من، سمر روحي الفيصل، محمد محيي الدين مينو، الرشيد بوشعير، هيثم الخواجة،دريد الخواجة، محمد الجزائري، أنور الخطيب، أحمد حسين، ثابت ملكاوي، عبدالفتاح صبري، أحمد الزعبي، صالح هويدي، إسلام بوشكير، بلال البدور، إبراهيم الهاشمي، أحمد راشد الشحي، صباح عبدالرضا إسيود، ناجية الخرجي، شريفة اليحيائي، عزيزة الطائي، هلا عبداللطيف قصير...وغيرهم.

فترة ذهبية

الشاعر خالد البدور يقول: لا بد أن أكون حذراً في تحديد جيل معين، بالنسبة لي بدأت كتابتي في نهاية السبعينات واستمرت في الثمانينات والتسعينات وغيرها، لكن نستطيع أن نتحدث عن الأدب الذي أنتج خلال فترة الثمانينات والذي كان نتاجاً لعمل كثير من الكتاب، ممن بدأوا في السبعينات واستمروا في الثمانينات وما أعقبها، وفي تصوري أن الفترة الذهبية للأدب الحديث كانت في الثمانينات، حيث نشر فيها الكثير من الإبداع الشعري والقصصي وبرزت أسماء شكلت أهم الأصوات في الأدب الحديث، ولكن بشكل عام وخلال جميع الفترات الماضية غاب عن مشهدنا الثقافي العمل النقدي المتخصص، كانت هناك بعض محاولات وكتابات في إطار نقدي خجول جداً، فلم يتم حتى اليوم تناول الأدب الإماراتي بعين الناقد المتخصص، حيث لا توجد إلا محاولات بسيطة من بعض الكتاب بعضهم من الصحفيين ومن المجتهدين في الأدب، ولكن لم نجد نقاداً حقيقيين متخصصين في النقد الأدبي وهذا يعود إلى غياب دور المراكز الأكاديمية، وبدون أن يوجد نقد لا يمكن أن نتحدث عن حق أو ظلم لجيل ما.

لا نستطيع أن نقول إن هذا الجيل ظلم، ولكن لم يوجد نقد ليلتفت إلى الإنتاج الذي ظهر في نهاية السبعينات والثمانينات مع نشأة وازدهار الدولة وظهور المدارس وهذا الغياب أثر كثيراً على حضور النص الأدبي سواء كان شعراً أو قصة أو مسرحاً، ولكن الصحافة الثقافية كانت نشطة في نشر الأدب الإماراتي وهناك بعض الأقلام القليلة من العرب ومن المواطنين وبعض المهتمين كتبوا عن تجارب عدة، ولكن لم يتم تناول الأدب المحلي ككل من منظور نقدي.

هذا الأدب الذي ظهر في الثمانينات بدأ صوته يخفت في منتصف التسعينات فلم تظهر أسماء قوية إلا نادراً في بعض الروايات، ولم نجد أسماءً شعرية أو قصصية إلا في إطار ضيق جداً وهذا يعود إلى كثير من العوامل يصعب تناولها الآن.

البداية الحقيقية

القاص والروائي حارب الظاهري، يقول: كانت فترة الثمانينات البداية الحقيقية التي نرى فيها انطلاق للثقافة بل لكل شيء من مكونات الحياة، وكانت فترة المحاولات الأدبية والتواصل مع الثقافة العربية، وفي الفترة نفسها نضجت بعض الكتابات الشعرية والقصصية ورغم الكم الهائل من المشاركات والأسماء إلا أن هذه المحاولات الأدبية بدأت تتقلص، لماذا؟.

في فترة الثمانينات لم يكن هناك نقد حقيقي بل كانت الكتابات الأدبية تتحول سريعاً نحو النضج ولم يكن النقد المتواضع قادر على أن يجاري الإبداع الإماراتي، و لم يخرج لنا نقاد من البيئة نفسها لكي يقدموا قراءات حقيقية ورغم ذلك كانت هناك عدة محاولات نقدية جادة لامست بعضاً من هذه المخرجات الإبداعية والتي برزت وتطورت مع التراكمات الثقافية فمن يقرأ مثلاً لشعراء الثمانيات ويقرأ لهم الآن يشعر بالنضج الإبداعي، لذا لم يكن في الثمانينات حالة نقد حقيقي، ولم يكن هناك استقرار في الساحة الثقافية، والتي كانت في حالة من التجريب استمرت إلى منتصف التسعينات، فكانت هناك انطباعات نقدية تطورت مع حالات الإبداع بل إن الإبداع الإماراتي تفوق على النقد في كثير من الأحيان، فكيف لحالة النقد أن تقيم الإبداع؟، بل لقد أفاد الفراغ النقدي الساحة الثقافية، حيث دفعها إلى التجريب.

مؤتمرات أدبية

الكاتبة والأكاديمية الدكتورة فاطمة حمد المزروعي، تقول: إن جيل السبعينات والثمانينات حظي بالاهتمام من خلال المؤتمرات الأدبية التي ساهمت في التركيز على المؤسسين والمؤسسات لفنون الأدب، ومن ثم نشرت هذه المؤتمرات في كتب، حظيت بالتداول والانتشار، إضافة إلى دور الصحافة والنقاد من أساتذة الجامعة، الذين أرادوا معرفة بدايات وملامح تلك الفنون، أما الجيل الذي كتب في التسعينات فقد حظي باهتمام الصحافة الثقافية في إبراز المواهب، لكن كثيراً من هؤلاء لم يجدوا فرصة لنشر إبداعاتهم، ومن ثم بقيت إبداعاتهم متناثرة في الجرائد والمجلات؛ و نتيجة لذلك لم تحظ بتلق نقدي، وأما عن تشجيع المواهب الجديدة على النشر فقد نشط بعد 2005 مع اهتمام المؤسسات الثقافية المحلية ووزارة الثقافة وتنمية المعرفة بصناعة النشر، وتشجيع الكتُاب والكاتبات إجمالاً، وعبر العديد من المبادرات المتنوعة، إضافة ورش الكتابة، ودعوة كتاب عرب وعالميين من خلال معارض الكتب للاطلاع على تجربتهم عن قرب، ولابد هنا أن أذكر جمعية الناشرين الإماراتيين التي تأسست 2009، فقد ساهمت بدور مهم في صناعة النشر على المستوى المحلي والعالمي فهي إحدى القنوات التي أوصلت الكتاب الإماراتي للمعارض العالمية إضافة إلى دور معرضي أبوظبي والشارقة الدوليين للكتاب.

إن ازدياد دور النشر الإماراتية قام بدور كبير في الترويج لكتاب وكاتبات من مختلف الأجيال؛ لهذا كثر زخم النشر بعد 2010 وهذه الإصدارات متفاوتة في جودتها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"