السودان.. «مناورات» المرحلة الانتقالية

04:36 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. أيمن شبانة *

يشهد السودان في الوقت الراهن جدلاً عارماً بشأن اتفاق الرابع عشر من مايو لإدارة المرحلة الانتقالية بالبلاد، والذي وقعه المجلس العسكري الانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير، حيث أيد البعض الاتفاق باعتباره نقطة انطلاق نحو تنفيذ باقي الاستحقاقات اللازمة لاستعادة الحكم المدني في السودان، فيما رفضه آخرون بدعوى أنه اتفاق إقصائي، وأنه يقنن لديكتاتورية جديدة، الأمر الذي يمثل تهديداً للاتفاق، ويلقي بظلال من الشك حول إمكانية الاعتماد عليه كأساس لإدارة شؤون سودان ما بعد الثورة، ويرجح احتمالات تعديله.
كانت المفاوضات بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير قد أفضت إلى توافق بشأن إدارة المرحلة الانتقالية من خلال ثلاثة كيانات، هي: مجلس السيادة، ومجلس الوزراء، والمجلس التشريعي. بحيث يضم مجلس السيادة 6 أعضاء يمثلون الأقاليم السودانية، و3 أعضاء يمثلون القوات المسلحة، وشخصية نسائية، وأن تتولى قوى الحرية والتغيير بمفردها تعيين مجلس الوزراء من الكفاءات الوطنية، وأن يتكون المجلس التشريعي من 300 مقعد، تخصص 67% منها لقوى الحرية والتغيير، فيما تخصص 33% للقوى السياسية غير الموقعة على الإعلان، وذلك بعد استبعاد العناصر الموالية للنظام السابق، وتلك المتورطة في قضايا الفساد وانتهاك حقوق الإنسان.
تم التوافق أيضاً بشأن أمد المرحلة الانتقالية، ليتم تحديدها بثلاث سنوات، مع تخصيص الأشهر الستة الأولى منها للتوقيع على اتفاقيات السلام ووقف الحرب في البلاد. وهو ما يعني تقابل الطرفين عند منتصف الطريق، حيث كان المجلس العسكري يحددها بعامين، فيما كانت قوى الحرية والتغيير ترغب في جعلها أربعة أعوام، بما يمكنها من ترتيب أوراقها، والتواصل مع القواعد الجماهيرية قبل خوض الانتخابات العامة في نهاية المرحلة الانتقالية.
استقر الطرفان أيضاً على تشكيل مجلس للأمن برئاسة رئيس المجلس السيادي، وعضوية وزراء الدفاع والخارجية والداخلية والعدل والمالية، بحيث يصدر قانون لاحق لتنظيم صلاحيات المجلس. مع تشكيل لجنة للتحقيق في أحداث الاثنين الدامي (13مايو)، التي وقعت ضد المعتصمين أمام مقر قيادة القوات المسلحة بالخرطوم. وتشكيل لجنة مشتركة لوقف أي محاولات اعتداء جديدة محتملة.
ظلت هناك بعض القضايا الشائكة، التي تم تأجيلها لجولات لاحقة من المفاوضات. وعلى رأسها تكوين المجلس السيادي، حيث ترى قوى الحرية والتغيير ضرورة إضفاء الطابع المدني عليه، فيما يتمسك المجلس الانتقالي بهيمنة العسكريين على المجلس، وإسناد رئاسته إلى الفريق عبد الفتاح البرهان، وأن يتولى المجلس حقيبتي الدفاع والأمن الداخلي في الحكومة المقبلة.

لكن الاتفاق الثنائي واجه رفضاً واسعاً من جانب العديد من القوى السياسية، بدعوى انحياز المجلس الانتقالي لقوى الحرية والتغيير، والتعامل معها باعتبارها الكيان الوحيد الممثل للثورة، رغم وعوده بأنه سيكون على مسافة واحدة من الجميع. لذا أكد المعارضون الوقوف ضد الاتفاق بجميع الوسائل السلمية الممكنة.
إذ اتهم «حزب المؤتمر الشعبي» أطراف الاتفاق بالسعي لاختطاف الوطن والانفراد بالسلطة تحت شعارات الثورة، زاعماً أن استبعاد العناصر المشاركة في السلطة في عهد الإنقاذ يعني حرمان السودان من الاستفادة من كوادره، باعتبار أنه لا يوجد أي كيان سياسي لم يشارك أو يحاور النظام السابق. !

شهدت الخرطوم أيضاً تظاهرات حاشدة من جانب الحراك السلفي المتشدد، خاصة «تيار نصرة الشريعة ودولة القانون»، بقيادة عبد الحي يوسف ومحمد علي الجزولي، حيث يرفض هؤلاء الاتفاق بدعوى أنه ينتج نظاماً إقصائياً جديداً بالسودان، ويمهد لتغيير هويته الإسلامية، ويصبغها بهوية علمانية دخيلة على المجتمع السوداني، من خلال تيار الحرية والتغيير.
من جانبه أعلن كل من حزب الأمة القومي والحزب الاتحادي، وهما أكبر أحزاب السودان، عدم المشاركة في الحكومة الانتقالية المزمع تكوينها. وهو ما يعكس رغبتهما في عدم تحمل المشكلات والأخطاء المتوقع حدوثها خلال المرحلة الانتقالية، وتحميلها لتجمع المهنيين، باعتباره الكيان الأبرز داخل قوى الحرية والتغيير، بحيث يتفرغ الحزبان لإدارة المعركة الانتخابية القادمة، وحصد النصيب الأكبر من أصوات الناخبين.
أما قيادات نظام الإنقاذ السابق، التي يفترض أنها ستكون في طليعة القوى المضادة للثورة، فيبدو أنها فضلت مراقبة المشهد من بعيد، والإدارة بأسلوب القيادة من الخلف، تجنباً للصدام مع قوى الحرية والتغيير، وللنجاة من قوانين العزل السياسي، والتحقيقات المتعلقة بالفساد المالي، التي يطالب بها الثوار، مع التخطيط لتقديم وجوه جديدة، والدفع بها في الانتخابات القادمة، ما يحافظ على مصالحها ومكتسباتها طول الأعوام الثلاثين الماضية.
وبالنسبة للحركات المسلحة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، فقد أكدت تأييدها لتحالف الحرية والتغيير، واستعدادها لتعليق القتال. لكنها تمسكت بعدم إلقاء السلاح خلال المرحلة الانتقالية، طمعاً في الحصول على أكبر قدر من المكاسب خلال المفاوضات القادمة.
لكل ذلك رأى المجلس الانتقالي ضرورة التريث، لتصحيح الاختلالات الواردة بالاتفاق، وتقليص مساحة الرفض التي تواجهه، خاصة أنه جاء مدفوعاً بالمخاوف من استمرار الاعتصام، ومحاولات ترضية المعتصمين بعد الهجوم الدامي الذي تعرضوا له، وقطع الطريق على تهديدات تجمع المهنيين بالانتقال لأسلوب العصيان المدني، وتجنب الانتقادات الأمريكية، التي تحمل المجلس مسؤولية العنف ضد المعتصمين.
ولعل ذلك هو ما يفسر إعلان المجلس الانتقالي تعليق التفاوض مع قوى الحرية والتغيير لمدة ثلاثة أيام، ثم استئنافها، بذريعة توسيع المعتصمين لنطاق الاعتصام، وإقامة المتاريس التي تعوق حركة المواطنين. بالإضافة لإفساحه المجال أمام الحملات الإعلامية المناوئة لقوى الحرية والتغيير، وللتظاهرات من جانب التيارات الأخرى، وأبرزها تيار نصرة الشريعة ودولة القانون، وتحالف الحراك القومي السوداني، الذي يضم العديد من القوى المدنية المؤيدة للمجلس، وذلك لإيصال رسالة لتيار الحرية والتغيير بأنك لست وحدك في الميدان، وأنك مطالب بقبول القوى الأخرى، التي لا يمكن إقصاؤها من المشهد.
من جانبه، تفهم تحالف الحرية والتغيير الرسالة، فطالب المعتصمين بإزالة المتاريس، والعودة لحدود اعتصام السادس من إبريل، والحفاظ على سلمية الثورة، وعدم الاصطدام بالمجلس الانتقالي، خاصة قوات الدعم السريع، والحفاظ على خطوط الاتصال بالأحزاب الكبرى، حتى لا يفقد الثوار قاعدتهم الجماهيرية. وهو ما يرفع أسهم التوقعات بإمكانية تعديل بنود الاتفاق الثنائي، في اتجاه توسيع نطاق المشاركة السياسية وتقاسم السلطة بين أغلب تيارات الشارع السياسي السوداني.

* نائب مدير مركز حوض النيل. جامعة القاهرة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"